وممّا ذكرناه يظهر أن ما جاء في هذا الحديث من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر بـ « السمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً » ... كذب قطعاً ... وأن هذا من زيادات أمثال « أسد بن وداعة » ... ويشهد بذلك عدم جزم الراوي بأن النبي قاله ... لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يأذن بأن يتسلّط على رقاب الناس إلا من توفّرت فيه الصفات والشروط التي اعتبرها الشرع والعقل ، ولا يجوزـ فضلاً عن أن يأمر ـ الاستسلام والانصياع التامّ لمن تأمّر وتولى شؤون المسلمين كيفما كان وكيفما تسلط!
وعلى الجملة ، فإن هذه الفقرة من الحديث إنما زيدت فيه ـ بناء على صدوره في الأمل ـ لحمل الناس على إطاعة معاوية وعماله وإن ظلموا وجاروا ، وإن فسقوا وفجروا ...
إنها زيدت فيه كما زيد تعليل مفاده بأنه « فإنما المؤمن ... »
ويؤكد ما ذكرنا اضطراب القوم كذلك في معناها ، ونكتفي بما ذكره شارحا الترمذي :
قال ابن العربي : « قوله : اسمعوا وأطيعوا. يعني ولاة الأمر وإن تأمر عليكم عبد حبشي.
فقال علماؤنا : إن العبد لا يكون والياً ...
والذي عندي : أن النبي أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير اهله حتى توضع الولاية في العبيد ، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا. تغليباً لأهون الضررين ، وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته ، لئلا يغير ذلك فيخرج منه إلى فتنة عمياء صمّاء لا دواء لها ولا خلاص منها » (١).
وقال المباركفوري : « قوله : أي صار أميراً أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته.
__________________
(١) عارضة الأحوذي ١٠ / ١٤٥.