والاقتصادية وكيفية سير العلوم والمعارف وسير الأدب وعوامل العمران وكل ما له علاقة بالأمة ، وغاية ما صرفوا فيه عنايتهم أخبار الحروب ، ووصف المجازر الدموية ، والملاحم البشرية ، وحياة الملوك ، وذكر العزل والتولية ، وما إلى ذلك من الحوادث الطبيعية كهطول الأمطار ، وفيضان الأنهار ، وأخبار الزلزال والبراكين ونحو ذلك.
ولعل ذلك الداء سرى إلى المؤرخين من مدلول كلمة تأريخ الفارسية التي معناها التوقيت ، ولو أنهم عدلوا عنها إلى الكلمة اليونانية (هستوريا) ومعناها الرواية والتحقيق لكانت طريقتهم فيما أخال غير ما كان.
ولم تزل هوة البعد عن الحقائق والغرض الأصلي من كتابة التاريخ تتسع حتى أصبح سلطانه منهار الجرف ، منقض الدعائم لطول ما عبثت به أحداث الزمان وأحداث الانسان في عصور الوهم وأزمنة الانحطاط ، وصار أسوأ من الأدب حظا ، وأنحس منه طالعا ، تتلاعب به أدمغة العجائز وألسنة القصاصين والممخرقين والمخرفين ، محشوة أسفاره بالخرافات والأكاذيب إلا النادر القليل.
وسواء في ذلك من عني بتاريخ قرن أو حكومة أو قطر ، أو من اشتغل بالتاريخ العام ، وإنك لتجد كثيرا من المؤرخين وغيرهم يعتبرون المؤرخ «كحاطب ليل» ، ومنهم من جعل هذه الكلمة تكأة له في سيره المغلوط ، فاشتبهت عليه المخارج والموالج ، واختلط لديه الحابل بالنابل ، فجمع الغث والسمين ، ومزج الممكن بالمستحيل ، وليت الخطب وقف عند هذا المرض القتال ، والداء العضال ، وهو مزج الصحيح بالسقيم ، وخلط الجائز بالمستحيل ، ومجانبة النقد وعدم التمحيص ، ولكنه تعداه إلى ما هو أدهى وأمر ، وأسوأ حالا مما مر ، وذلك ما أشار إليه الأستاذ المعاصر محمد كردعلي بقوله : «كان المؤرخون بعد القرون الوسطى بين عاملين قويين إما أن يكذبوا فيغضبوا الحق أو يصدقوا فيغضبوا الخلق». وقال العلامة الفيلسوف