فقد ارتكب ابن الحرامي غلطتين عظيمتين أولاهما : إفشاء سرّه وإظهار ما يجب كتمانه ، والثانية ركونه إلى عدوّه وإنجذابه إلى فخّه وبذلك هلك وأهلك.
(وغرة مرة من فعل غرّ |
|
وغرة مرتين فعال موق) (١) |
قال كاتب سيرة الإمام احمد بن سليمان وعنه نقلنا هذه الأخبار : (وبقتل هؤلاء الرّجال ضعف أمر بني مهدي ، واختل حالهم ولم تبق لهم طاقة يبلغون بها حيث كانوا يبلغون ، وافترق أولاد إبن مهدي في ذات بينهم).
وكان الإمام قد أرسل القاضي علي بن عبد الأعلى بن ابي يحيى إلى عدن داعيا له ومعه نسخة من كتاب الدّعوة التي قدمنا ، وصاحب عدن يومئذ ، عمران بن محمد بن سبأ ، ففرح بمقدمه وسرّه حركة الإمام ، وجمعه القبائل لمحاربة ابن مهدي الذي أضرّ بمخاليفه ، وأخذ أكثر بلدانه ، وجعله خائفا يترقّب مهاجمة عدن ، وإلحاقه بأمس الدّابر ، فأعاد سفير الإمام ورجلا من قبله ، ومعهما هدايا وتحف نفيسة قدمها كشاهد على إخلاصه ، وطلب من الإمام المواجهة إلى المخلاف ، فلم يلتفت الإمام إلى ذلك ، وكانت قبائل همدان وجنب ومذحج ، وسنحان قد عاهدوه على النصرة والنّهوض معه إلى زبيد ، فنهد بهم إلى مقرا وترامت أنباء حركته إلى بني مهدي ، فماجوا واضطربوا ، ولاذوا بحصن قوارير فتيقّن الإمام فوزه ورجحان كفته إن هو أقدم بمن معه من الجنود المتحمسة لمحو بني مهدي ، واستئصالهم ، ولكنه فكر فيما بأيدي بني مهدي من سبايا الأشراف السليمانيين وحمير وهمدان وخولان والحبشة ، وعرف أنهم سيقهرون ويغلبون ، وتؤخذ السبايا من أيديهم وتصبح في قبضة جيوشه الموتورة ، وعندئذ يصعب تداركها ويتعذر استخراجها من أيديهم ، كما أنه ليس من السهل كبح نزعاتهم الجامحة إلى السّلب والاستئثار
__________________
(١) موق : حمق.