(و) كذلك (إنسان) اختلف فيه : فقال البصريون : هو «فعلان» مشتق (من : الانس) ، لأنه يأنس ، بخلاف الوحش ، فالهمزة أصليّة ولامه السين ؛ ويؤيّده مجيء : إنس وانسيّ كروم وروميّ بمعناه ؛ كما قال الله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ)(١) ، وقال الشاعر :
فلست لانسيّ ولكن لملأك (٢)
البيت ، ومجيء الاناس في جمعه ، كما قال :
انّ المنايا يطّلعن على الإناس الآمنينا (٣)
(وقيل) : هو من : الايناس مصدر آنس ـ بالمد ـ كأكرم ـ إذا أبصر ـ لأنه يبصر ؛ بخلاف الجن لاجتنانه ـ أي استتاره ـ ، وقيل : والقائل قوم من الكوفين : هو «افعان» على انّ الهمزة زائدة واللّام محذوفة ؛ وأصله : انسيان ـ بالياء بعد السّين ـ على «افعلان» كاضحيان ، وهو مشتق (من : نسي) على ما نقل عن ابن عباس : انّه سمّي انسانا ، لأنه عهد إليه فنسى ، يشير إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٤) ، وعليه جرى أبو تمام في قوله :
لا تنسين تلك العهود فإنّما |
|
سمّيت إنسانا لأنّك ناس (٥) |
وزعموا مساعدة بعض التصاريف له ؛ (لمجيء : انيسيان) في تصغيره ، بالياء بعد السين ، إذ زيادتها فيه على ما يلزم من قول البصريين خلاف القياس ، فالمناسب اعتبار كونها جزء محذوفا من المكبر معادا في التصغير للرد إلى الأصل ، وردّ هذا
__________________
(١) الآية : ٣٩ الرّحمن.
(٢) تقدّم شرحه ومعناه في ص ٢٩١.
(٣) ولم أقف على نسبة هذا البيت إلى قائل ، والظاهر انّ هذا مصرع من بيت.
(٤) الآية : ١١٥ طه.
(٥) البيت لأبي تمام كما قال الشارح. وهو لا يحتاج إلى إيضاح ، والشاهد فيه : ان أصله ناسي فاعل اعلال قاض وانّه بمعنى نسي.