فلما وصلت رسله إلى المرزبان وأصحابه ائتمروا فيما بينهم وتشاوروا حتى طال ترديد الكلام والتشاور بينهم ثم أجمع رأيهم على صرفه وقالوا ما نحب هذا العربي ينزل معنا فيضيّق علينا أرضنا وبلادنا فلا حاجة لنا إلى قربه وجواره. فلما وصل جوابهم إلى مالك أرسل إليهم : «أنه لا بد لي من النزول في قطر من عمان وأن تواسوني (١) في الماء والكلأ والمراعي فإن تركتموني طوعا نزلت في البلاد وحمدتكم ، وإن أبيتم أقمت على كرهكم فإن قاتلتموني قاتلتكم. فإن ظهرت عليكم قتلت المقاتلة وسبيت الذرية ولم أترك أحدا منكم ينزل بعمان أبدا». فأبوا أن يتركوه طوعا وجعلوا يستعدون لحربه وقتاله وأقام مالك بناحية الجوف حتى أراح واستراح وتأهب لحرب الفرس وقتالهم.
وكان هناك حتى استعدت الفرس لحربه وقتاله. ثم إن المرزبان أمر أن ينفخ في البوق وتضرب الطبول وركب من صحار في جنوده وعساكره في عسكر جم يقال إنه في زهاء أربعين ألفا ويقال ثلاثين ألفا ومعه فيلة وسار يريد لقاء الجوف مالك. ونزل بصحراء سلوت قريبا من نزوى فبلغ ذلك مالك بن فهم فركب في ستة الاف حتى أتى صحراء سلوت ، فعسكر فيها بإزاء عسكر المرزبان فمكثوا يومهم ذلك لم يكن بينهم حرب. ثم إن مالك بن فهم بات ليلته يعبيء عساكره يمنة ويسرة وقلبا ويكتب الكتائب ويوقف فرسان الأزد مواقفهم فولى الميمنة ابنه هناءة وولى الميسرة ابنه فراهيد ، ووقف هو في القلب في أهل النجدة والشدة.
وبات المرزبان يكتب كتائبه ويوقف أصحابه مواقفهم واستعد كلا الفريقين وركب مالك فرسا له أبلق ولبس درعين ولبس عليهما غلالة حمراء وتكمم على رأسه بكمة حديد ، وتعمم عليها بعمامة صفراء. وركب معه ولده وفرسان الأزد على تلك التعبئة وقد تقنعوا بالدروع والبيض والجواشن ولم يظهر غير الحدق.
__________________
(٣) بمعنى تساووني وإياكم.