فلما وصل رسوله إليهم هالهم أمره وعظموا رسالته لهم مع قلة عسكره وكثرتهم وما هم فيه من القوة والمنعة وزادهم غيظا وحنقا وردوا عليه أقبح رد فعند ذلك زحف عليهم مالك في خيله ورجله وسار حتى وطئ أرضهم واستعدت الفرس لقتاله ومعهم الفيلة فلما قربوا من عسكره عبأ أصحابه راية راية وكتيبة كتيبة وجعل على الميمنة ابنه هناءة وعلى الميسرة ولده فراهيد ، وأقام هو وبقية أولاده في القلب.
وألتقوا هم والفرس واقتتلوا قتالا شديدا ودارت رحى الحرب بينهم مليا من النهار ثم انكشفت العجم وكان معهم فيل عظيم فتركوه فدنا منه هناءة فضربه على خرطومه فولى وله صياح وتبعه معن بن مالك فعرقبه (١) فسقط. ثم أن العجم ثابوا وتراجعوا وحملوا على الأزد حملة رجل واحد فجالت الأزد جولة ونادى مالك : يا معشر الأزد أقصدوا إلى لوائهم فاكشفوه من كل وجهة. وحمل بهم على العجم حملة رجل واحد حتى كشفوا اللواء واختلط الضرب والتحم القتال وارتفع الغبار وثار العجاج حتى حجب الشمس ، فلم يسمع إلا صليل الحديد ووقع السيوف. وتراموا بالسهام فتقصدت وتجالدوا بالسيوف فتكسرت وتطاعنوا بالرماح فانحطمت وصبروا صبرا جميلا ، وكثر الجراح والقتل في الفريقين. ثم لم يكن للفرس ثبات وولوا منهزمين على وجوههم فاتبعهم فرسان الأزد يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم فقتلوا منهم خلقا كثيرا وجعلوا يطلبونهم حيث مالقوهم وأدركوهم ولم يفت عنهم إلا من ستره الليل.
وتحمل بقية الفرس في السفن وركبوا البحر إلى فارس فاستولى مالك على عمان وغنم جميع أموال الفرس وأسر منهم خلقا كثيرا مكثوا في السجن زمانا طويلا. ثم أطلقهم مالك ومن عليهم بأرواحهم وكساهم وزودهم ووصلهم في السفن إلى أرض فارس. وملك عمان وما يليها من الأطراف وساسها سياسة
__________________
(١) عرقب الدابة قطع عرقوبها ، والعرقوب عصب خلف الكعبين والمقصود هنا ضرب الفيل على قوائمه فأسقطه