شمل فجمع الله على الخير شملكم ، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم ، وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم ، فأي فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم ، كفاكم قوله عليه السلام شرفا إلى يوم المعاد ، ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما ، وقد منّ الله عليكم بإسلام عبد وجيفر إبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم وكنتم على خير حال جميل حتى أتتكم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما يضاعف إلى فضلكم وقمتم مقاما حمدناكم فيه ، ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال فيثبت الله به ألسنتكم ويهدي به قلوبكم وللناس جولة فكونوا عند حسن ظني بكم ، ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم جزاكم الله خيرا» ثم سكت.
وذكر بعض المحدثين أن عبدا لما قدم على أبي بكر رضي الله عنه استهضه في مقاتله آل جفنة فأجابه إلى ذلك فسير سرية وأمره عليها فخرج عبد على السرية حتى وافى ديار آل جفنة ولهذا حديث يطول شرحه وقد تركته.
وقد شهر مقام عبد وعرف مكانه ، وكان في السرية حسان بن ثابت الأنصاري فلما قدموا من ديار ال جفنة قام حسان وقال : قد شهر مقام عبد في الجاهلية والإسلام فلم أر رجلا أحزم ولا أحسن رأيا وتدبيرا من عبد وهو والله ممن وهب نفسه لله في يوم غارت صاحبه وأظلم صباحه ، فسر ذلك أبا بكر رضي الله عنه وقال هو يا أبا الوليد كما ذكرت والقول يقصر عن وصفه ، والوصف يقصر عن فضله ، فبلغ ذلك عبدا فبعث إليه بمال عظيم وأرسل إليه أن مالي يعجز عن مكافأتك فاعذر فيما قصر وأقبل ما تيسر.
ثم إن أبا بكر كتب كتابا إلى أهل عمان يشكرهم ويثني عليهم وأقر جيفر وأخاه عبدا على ملكهما وجعل لهما أخذ الصدقات من أهلها وحملها إليه ، وانصرف عنه ومن معه شاكرا لعبد وجيفر من المآثر والمناقب ما يضيق بها