رحمه الله على ذلك يتجشم من رعيته الصبر على الكروب ، ومفارقة السرور والمحبوب ، ويصبر منهم على الشتم والأذى ويسمع منهم الخنا والقذى ، وهو يتأنى في تلك الأمور ويرجو من الله الدائرة أن تدور ، وكثير من أهل مملكته ومصره يتربص به الدوائر ويسر له أقبح السرائر ، يعرف ذلك في وجوه الذين كفروا المنكر وما يخفى صدورهم من الغل والحسد أعظم وأكبر ، قد استحوذ عليهم الشيطان وغلبت عليهم العداوة والشنان ، ومنهم من يتربص به الدائرة وأظهر له المودة في الأمور الظاهرة فإن فتح الله عليه فتحا أظهر السرور والبشرى ، وإن كان للعدو نصيب ظهرت منه أمور قبيحة أخرى ، لا يقدر من عدوانه أن يعين على طاعة لسانه ولا بجاهه ومكانه ، لو يرجو منه الخذلان لخذل ، ولو كان به طاقة على قتال أهل الحق لقاتلوهم ، ومنهم من يعين بلسانه في الظاهر ويخذل في السرائر ، حتى الت الأمور وجرى عليه من الله المقدور ، أن ظهر من عامة رعيته التخلف عنه والخذلان ، وظهر من عامة خواصة المعاندة له والعصيان ، والمداهنة عليه للسلطان والمباشرة له بذلك بالقول وباللسان ، وخرجوا إلى السلطان مظاهرين وتألبوا إلى ذلك متناظرين متناصرين فمنعهم عن ذلك التخلف جبرا وقسرا فوقع بينه وبين عامتهم العداوة والشحناء وفارقوه على ذلك من قرية بهلا متعصبين معاندين له على ذلك ، ومحاربين متوجدين عليه في ذلك متعنتين ، وقد سار السلطان بالسر مقبلا وهو في نفر من الضعاف أقلاء قد انفضت جماعتهم وصحت معه عداوتهم ، وإنما خرج من نزوى في ردهم عن خروجهم ذلك في حرب العدو المقبل إليه ، فلما رأى ما نزل به من الخذلان وما بان له من العداوة والعصيان ، استضعف نفسه ومن معه عن لقاء السلطان وخاف أن يدهموه على المكان فتحير بمن معه من بهلا إلى كدم ، ورجا أنه قد استوثق لنفسه في ذلك وحزم ، فلم يزل في كدم حتى صح معه أنهم قد دخلوا الجوف فداخله ومن معه من الضعفاء لقلتهم الجوف ، فانحازوا هنالك إلى وادي النخر ، ودعا إلى حرب السلطان من حضر ، واستنصر عليه من قدر عليه