بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي رفع السموات بغير عمد وبناها ، وسطّح الأرض على وجه الماء ودحاها ، وجعل لها الجبال أوتادا فأرساها ، وخلق آدم عليه السلام من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ، وأخرج ذريته أطوارا متتابعين ، فأمرهم ليمتثلوا أوامره طائعين ، ونهاهم ليزدجروا عن نهيه خائفين ، فكان أكثرهم لأمره تاركين ، ولم يكونوا لنهيه مجانبين ، فأرسل إليهم الأنبياء والمرسلين فبينوا لهم الحق المبين ، وأوضحوا لهم السبيل المستبين واتوهم بالحجج القاهرة والبراهين ، فمنهم من أطاع واهتدى ومنهم من ضل وغوى (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(١) والصلاة والسلام على نبينا الأمين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد : قد دعتنى الهمة إلى جمع هذا الكتاب وتأليفه وتخليص معانيه وتصنيفه فلبيتها أهلا وسهلا ، وإن لم أكن أنا للتأليف أهلا ، وذلك لما رأيت أكثر أهل زماننا قد غفلوا عن أصل مذهبهم الشريف ، وأقبلوا على أئمة مذهبهم بالتعنيف والتعسيف ، ومالوا إلى حب السادات ذوي التشريف ، قد رغبت أنفسهم عن قراءة الكتب التي خلفها السلف ليعرفوا المحق ممن هو على شفا جرف هار فانهار به إلى التلف ، وقد سمعت أحدا ممن يتحلى بالعلم وينتسب إلى ذوي المعرفة والفهم ، يقول عجل أهل النهر بخروجهم عن طاعة ذي الفخر ، وقد عرفت من كثير ممن ينتمي لهذا المذهب ، ويعزى إليه ويعرف به وينسب ، خلافا لأئمته الذين أسسوه ، وركونا إلى الذين آنفوا عنه ودنسوه فصنفت هذا الكتاب ، وبينت فيه عذر أولي
__________________
(١) ـ سورة النجم الآية ٣١.