محمد بن عبد الله ، فأثرى مكتبة القصر بمجموعات كبيرة من الكتب جمعت له من الآفاق.
ثم تولى الملك من بعده ابنه الخليفة الحكم المستنصر بن عبد الرحمن بن محمد فتقدمت في عهده الحركة العلمية تقدما عظيما لم يعهد من قبل في الأندلس ، فقد أنشأ المدارس الكثيرة ، حتى صار معظم أهل قرطبة متعلمين ، وشغف بجمع الكتب شغفا لم يبلغه أحد من أسلافه ، فقد أرسل الوفود الكثيرة إلى دمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وخراسان وغيرها من البلاد ينتقون له الكتب ، ويشترونها ، كما كان له وراقون في كثير من مدن المشرق يستنسخون له الكتب النفيسة ، والأسفار الثمينة ، حتى استطاع أن يجعل مكتبة القصر في قرطبة من أعظم مكتبات الدنيا ، وكان كثير من علماء الشرق والغرب يهدون كتبهم للحكم المستنصر لما يرون من علمه ، وحبه للكتب ، وقد قدر عدد الأسفار في مكتبة القصر القرطبي ب ٤٠٠٠٠٠ وقيل ٦٠٠٠٠٠ مجلد.
وقد أشار القلقشندي إلى عظم هذه المكتبة فقال : «ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن :
إحداها : خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ...
الثانية : خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر ...
الثالثة : خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس ، وكانت من أجل خزائن الكتب أيضا ، ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس ، فذهبت كتبها كل مذهب» (١).
أما ملوك الطوائف فقد اهتموا كثيرا بإنشاء المراكز العلمية ، وخاصة المكتبات.
ففي إشبيلية كانت مكتبة بني عبّاد العظيمة.
وفي بطليوس كانت مكتبة المظفر بن الأفطس الزاخرة بنفائس الأسفار.
__________________
(١) صبح الأعشى ١ / ٤٦٧.