ولما تحقق لهولاكو مراده من بغداد ، توجه إلى بلاد الشام ، وقصد مدينة حلب ، فدخلها ، ووضع السيف في جميع أهلها ، ودمر مراكزها العلمية ، ثم استولى على سائر مدن الشام.
وبعد فترة من الزمن أرسل طائفة من جنده إلى مدينة الموصل من بلاد الجزيرة ، ففعلوا فيها مثل ما فعله في حلب.
وفي سنة ٦٩٤ تولى غازان التتري ملك المشرق ، ودخل في الإسلام مع جماعة كبيرة من قومه ، لكن انتسابه لهذا الدين لم يمنعه من الاعتداء على البلاد الإسلامية ، ففي سنة ٦٩٩ زحف بجنده إلى الشام ، واستولى على جميع مدائنها ، وإليه تنسب الوقعة الشهيرة في كتب التاريخ بوقعة غازان ، وفي هذه الوقعة الأليمة نهبت مكتبات دمشق ، كمكتبة الرباط الناصري ـ نسبة إلى الملك الناصر بن قلاوون ـ ومكتبة المدرسة الضيائية ، وخزانة ابن البزوري ، وغيرها من مكتبات المدارس والمساجد في دمشق والصالحية ، كما أحرقت دار الحديث الأشرفية ، وذهب كل ما فيها.
ولم يقتصر أمر التتار على هذا ، ففي سنة ٨٠٣ توجه ملكهم وطاغيتهم تيمور لنك لعنة الله عليه إلى بلاد الشام ، فاستولى على حلب ، وحماه ، ودمشق وغيرها من مدن الشام ، وقام بقتل جميع أهلها ، ودمر مساجدها ، ومدارسها ، ومكتباتها ، وأضرم النار في دورها ، وأسواقها ، حتى عفت رسومها.
وكانت وقعة تيمور لنك هذه أعظم ، وأقسى ، وأشد وقائع التتار على بلاد الشام.
ثم توجه تيمور لنك إلى بغداد ، فأهلك كل من لم يمكنه الهرب من أهلها ، ثم قضى على كل أثر للعلم والحضارة والحياة فيها ، حيث خرب المدارس ، والمساجد ، والربط ، والدور ، والأسواق ، وكان لعنه الله قد ورد بغداد سنة ٧٩٥ فقتل ، ونهب ، وخرّب.