(٢) قواصم الصليبيين :
لقد نعم النصارى بالأمن والطمأنينة في ظل دولة الإسلام قرونا طويلة ، حفظت لهم فيها الحقوق ، وسلموا من الظلم والجور اللذين عاملهم ملوكهم قبل الإسلام بهما.
فأهل الذمة منهم لقوا من المسلمين سماحة وعدلا لم يعهدوهما في سابق أيامهم فلم تهدم كنائسهم ، ولم يمنعوا من أداء عباداتهم ، ولم يمس أحد من قساوستهم بأذى ، بل شاهدوا بأم أعينهم أن حكم الإسلام العادل كان يردع كل من سولت له نفسه ظلمهم.
وكان حقا على النصارى أن يعاملوا المسلمين بما عوملوا به ، لكنهم لما ظهرت دولتهم ، وتمكنوا من بلاد الإسلام ، جازوا المسلمين جزاء سنمّار ، فأرخوا عنان ظلمهم وبغيهم على المسلمين ، فلم يرحموا في بلاد الإسلام التي دخلوا عليها شيخا أو وليدا ، ولم يتركوا فيها للإسلام ركنا مشيدا ، بل وضعوا السيف في المسلمين ، وأعدموا العلماء والعابدين ، وهدموا المساجد على المصلين ، ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم من أموال وثروات ، هذا إلى جانب هتكهم للأعراض والحرمات.
لقد وهنت الحركة العلمية وعدمت في البلاد التي دخلها النصارى ، لأنهم قتلوا العلماء ، وهدموا المدارس ، وأحرقوا المكتبات ، بعد أن نهبوا منها ما أرادوا.
ـ ففي طرابلس الشام : كانت مكتبة بني عمار الفريدة التي ضاهت بل وفاقت أعظم مكتبات الدنيا كثرة ونفاسة ، وقد قدر البعض أعداد أسفارها بثلاثة آلاف ألف مجلد ، فلما دخل النصارى طرابلس أضرموا النار في هذه المكتبة العظيمة ، ولم يسلم منها إلا ما أرادوا نهبه.
وقد صور ابن الأثير دخول الصليبيين الفرنجة إلى طرابلس بقوله : «فهجموا على البلد ، وملكوه عنوة وقهرا ، ونهبوا ما فيها ، وأسروا الرجال ،