جميع المكتبات الإسلامية الخاصة والعامة بغرناطة ـ مع إيعاده لكل من تستّر على كتاب بالعذاب الشديد ، والقتل ـ ولما جمعت له انتقى منها بعض الكتب الطبية ، والهندسية وغيرها وأرسلها إلى إحدى الجامعات ، ثم أضرم النار في البقية التي تعد بمئات الآلاف في أحد ميادين غرناطة.
ولم يقتصر الحقد الصليبي الدفين على هذا العمل المشين بل ضيقوا على المسلمين ، وهدموا مساجدهم ، ومدارسهم ، وأجبروهم على التنصر تحت العذاب الأليم ، ومنعوهم من التكلم بالعربية.
وكان النصارى الأسبان قد ارتكبوا مثل هذه الجرائم في المدن الأندلسية الأخرى التي استولوا عليها من قبل ، لكن عملهم في غرناطة كان أشد وأقسى لأن هذه المدينة كانت آخر معقل للمسلمين في جزيرة الأندلس.
ولم يبرح النصارى منذ الحروب الصليبية وإلى الآن يظهرون كل عداء للمسلمين ، ويعملون على القضاء على حضارتهم بكل وسيلة ممكنة ، فعندما استولى الفرنجيون (الفرنسيون) على قسنطينية إحدى مدن الجزائر في منتصف القرن الثالث عشر ، أحرقوا كل ما وقفوا عليه من كتب فيها ، كما أن منظمة التحرير الفرنسية السرية التي تشكلت في الجزائر قبيل استقلالها قامت بحرق مكتبة جامعة الجزائر التي كانت تحتوي على أكثر من خمس مئة ألف كتاب.
فهذا هو حال النصارى في القديم والحديث ، فما أحرى المسلمين اليوم أن يتنبهوا لمكايد هذه الفئة الضالة ، التي بدلت دينها ، وتنكبت عن جادة طريقها ، ودأبت على تدبير الدسائس ، وتحيّن الفرص للنيل من المسلمين ، والانتقاص من دينهم ، لكن الله ربنا لهم بالمرصاد إن استقمنا على هديه ، واحتكمنا لشرعه (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(١).
__________________
(١) الأنفال ٣٠.