ولم يسلم من الإفساد أحد من ملوك العبيديين إلا من لم يقدر عليه ، فعندما ذكر السيوطي بعض الفتن التي أصابت أمة الإسلام قال : «ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية ، وناهيك بهم إفسادا وكفرا ، وقتلا للعلماء والصلحاء» (١).
ومن أخطر وأقبح الأمور المنسوبة إليهم أنهم حرضوا النصارى على الدخول إلى بلاد الشام ، قال السيوطي : «فقيل : إن صاحب مصر لما رأى قوة السّلجوقية واستيلاءهم على الشام كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوها» (٢).
هذا شيء من خبر باطنيي المغرب ، أما أهل المشرق منهم فلم يكونوا أحسن من سابقيهم ، حيث لقي المسلمون منهم كل سوء وبلاء ، ومن جرائمهم المروّعة أنهم كمنوا سنة ٥٥٢ لحجاج خراسان وكانوا خلقا عظيما فيهم الأئمة ، والعلماء ، والصالحون ، فقتلوهم إلا يسيرا منهم ، قال ابن الأثير :
«في هذه السنة سار حجاج خراسان ، فلما رحلوا عن بسطام أغار عليهم جمع من الجند الخراسانية قد قصدوا طبرستان ، فأخذوا من أمتعتهم ، وقتلوا نفرا منهم ، وسلم الباقون ، وساروا عن موضعهم ، فبينما هم سائرون إذ طلع عليهم الإسماعيلية ، فقاتلهم الحجاج قتالا عظيما ، وصبروا صبرا عظيما ، فقتل أميرهم ، فانخذلوا ، وألقوا بأيديهم واستسلموا ، وطلبوا الأمان ، وألقوا أسلحتهم مستأمنين ، فأخذهم الإسماعيلية ، وقتلوهم ، ولم يبقوا منهم إلا شرذمة يسيرة ، وقتل فيهم من الأئمة ، والعلماء ، والزهاد ، والصلحاء جمع
__________________
«قلت : اتصاله بالدولة العبيدية كان مداراة لهم ، وإلا فلو جمح عليهم لاستأصله الحاكم خليفة مصر ... وأظنه ولي وظيفة لهم ، وقد كان من أئمة الأثر ، نشأ في سنة واتباع قبل وجود دولة الرفض ، واستمر هو على التمسك بالحديث ، ولكنه دارى القوم ، وداهنهم».
(١) تاريخ الخلفاء ٣٥١.
(٢) المصدر السابق ٢٨٣.