وبخارى ، ونيسابور ، ومرو ، والرّيّ ، ومرّاكش ، وغرناطة ، وغيرها من المدن التي كان لها دور بارز في نشاط الحركة العلمية.
السبب الخامس : سكن الخلفاء والملوك والسلاطين في المدن والأمصار : فمن تأمل تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين ، وجدها في أوج نشاطها ، وكامل نموها ، في حواضر الدول التي كان يسكنها الحكام الكبار.
فحاضرة العباسيين بغداد ، وحاضرة الأمويين في الأندلس قرطبة ، وحاضرة السامانيين بخارى ، وحاضرتا السّلاجقة مرو والرّيّ ، وحاضرة الموحدين مرّاكش ، وحاضرة الدولتين الصلاحية والمماليكية القاهرة ، لم يبلغن الدرجة العلمية الرفيعة لولا حلول حكامها العظام فيها ، وقد أحسن ياقوت في قوله : «إنما تعمر البلدان بسكنى السلطان» (١).
السبب السادس : فشو العلم في الحكام ، واهتمامهم به ، وتشجيعهم للعلماء ، وإنشاؤهم للمراكز العلمية كالمدارس ، والمكتبات.
وأجد لزاما عليّ قبل الدخول في صلب هذا الموضوع ، أن أذكر لمحة موجزة عن نوعية الحركة العلمية في البلاد الإسلامية فأقول : كانت العلوم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عهد الأمين العباسي لا تخرج عن العلوم النقلية ، والمساعدة لها ، وعن بعض العلوم العقلية النافعة المفيدة ، فكانت علوم القوم في هذه الفترة : القراءات ، والتفسير ، وعلوم القرآن ، والحديث ، وعلومه ، والتاريخ ، والأنساب ، والسير ، واللغة ، والنحو ، والأدب ، والطب ، والهندسة ، ونحو ذلك.
فلما كان عهد المأمون العباسي فرط عقد هذا النظام ، حيث شغف هذا الخليفة بعلوم الأوائل ، وصبت نفسه إليها ، فناصرها ، وأمر بترجمة ونشر كتب كثيرة منها ، فكان ذلك مبدأ فساد العلوم في ديار الإسلام ، إلى أن أذن الله
__________________
(١) معجم البلدان ٤ / ٤٥٤.