* الدولة الأيوبية : لم يعتن ملوك دولة من دول مصر والشام بالعلم كاعتناء الأيوبيين به ، وحرصهم على التزوّد منه ، ومن محاسنهم أنهم ابتعدوا عن علوم الأوائل ، وآثروا علوم الشرائع ، وخاصة الآثار ، إلا أن أحد ملوكهم وهو الناصر داود بن المعظم ملك دمشق اهتم بعلم الفلاسفة ، وشجعه ، وناصره ، لكن سرعان ما أزيل ذلك بعد عزله عن دمشق.
فأول ملوك هذه الدولة وهو السلطان المجاهد صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب كان حريصا على طلب العلم ، فقد رحل في (١) زمن ملكه ومعه إخوانه ، وامراؤه إلى الإسكندرية ، فسمعوا الحديث من الحافظ السّلفي وغيره ، وكان رحمه الله ملما ببعض العلوم كالحديث ، والفقه ، والأنساب ، والتواريخ ، وقد قرىء عليه الحديث في ساعات الوغى ، ولم ينقل عن غيره مثل ذلك ، وآثر سماع الحديث بالأسانيد ، وأسمعه بها ، قال ابن شدّاد : «كان رحمه الله شديد الرغبة في سماع الحديث ، ومتى سمع عن شيخ ذي رواية عالية ، وسماع كثير ، فإن كان ممن يحضر عنده استحضره ، وسمع عليه ، فأسمع من يحضره في ذلك المكان من أولاده ، ومماليكه المختصين به ، وكان يأمر الناس بالجلوس عند سماع الحديث إجلالا له ، وإن كان ذلك الشيخ ممن لا يطرق أبواب السلاطين ، ويتجافى عن الحضور في مجالسهم ، سعى إليه ، وسمع عليه ، تردد إلى الحافظ الأصفهاني ـ (أي السّلفي) ـ بالإسكندرية حرسها الله تعالى وروى عنه أحاديث كثيرة» (٢).
وقال أيضا : «لقد قرىء عليه جزء من الحديث بين الصفين ، وذلك أني قلت له : قد سمع الحديث في جميع المواطن الشريفة ، ولم ينقل أنه سمع بين الصفين ، فإن رأى المولى أن يؤثر عنه ذلك كان حسنا ، فأذن في ذلك ، فأحضر جزءا ، وهناك أحضر من له به سماع فقرىء عليه ونحن على ظهور
__________________
(١) ينظر قول القاضي الفاضل الذي سبق ذكره في ص ٥٦.
(٢) النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ٩.