الأولى لا تعدو تلك الإشارات السريعة العابرة التي جاءت ضمن كتابات بعض المؤرخين المعروفين كالطبري واليعقوبي والمسعودي وابن الأثير وابن خلدون وغيرهم. ويبدو لنا أنه إذا كان تاريخ عمان قد تعرض للنكران فإنه تعرض لذلك على أيدي المؤرخين من غير أبناء البلاد ، وهم الذين سلطوا الأضواء على قلب الدولة الإسلامية ، وأفاضوا في وصف ما كان يجري فيها من تيارات سياسية وحضارية ، دون أن تحظى أطراف الدولة ـ في المشرق والمغرب جميعا ـ إلا بنسب ضئيلة متفاوتة من عنايتهم.
وفيما عدا ذلك ، فإن كافة الشواهد تشير إلى أن عمان لم يفتقر إلى العلماء الغيورين من أبنائه الذين عنوا بتسجيل تاريخ البلاد وأهلها ، بقدر ما سمحت به ظروفهم. كل ما هنالك هو أن هذا التراث تعرض ـ نتيجة لأحداث الزمان ـ لما تعرضت له بقية جوانب التراث العربي الإسلامي في شتى البلاد ، من الضياع والبعثرة والتشتت. هذا فضلا عما كان يصحب الحروب المحلية والفتن الداخلية من تخريب وإفساد وإحراق ، مما عصف بكثير من آثار التراث العماني. يضاف إلى هذا كله أنه إذا كانت الدعوة لإحياء التراث قد ظهرت في وقت مبكر في بعض البلدان العربية ، فإنها لم تظهر في كافة أقطار شبه الجزيرة العربية ـ ومن جملتها عمان ـ الا في وقت متأخر نسبيا.
وبالإضافة إلى هذه الثروة المعروفة من الكتب والمخطوطات المتعلقة بتاريخ عمان ، والتي تحرص حكومة سلطنة عمان في الآونة الأخيرة على جمعها والحفاظ عليها ، فإنه مازالت هناك عشرات المخطوطات المجهولة مبعثرة في دور الكتب العالمية والعربية ، تحتاج إلى قدر من السعي والتقصي للوقوف عليها. ومعرفة هويتها ، وتحديد نوعية ما فيها من معلومات وحقائق ، تمهيدا لتحقيقها ونشرها.