ويبدو أن تنفيذ ذلك ليس بالأمر السهل. نظرا لعاملين : أولهما هو ما نلاحظه من أن كثيرا من الكتابات والمؤلفات التي تناولت جوانب من التراث العماني توجد ، الآن مخطوطة في صورة غير قائمة بذاتها ، وغالبا ما تكون مجلدة في غلاف واحد مع رسائل ومصنفات متباينة الموضوعات ، مما يتطلب التدقيق في محتويات كل مجلد للوقوف على ما يحتويه من موضوعات ورسائل ، وتصيد ما يرتبط منها بالتراث العماني ، من قريب أو بعيد.
أما العامل الثاني ، فيبدو في أن كثيرا من هذه المخطوطات غير معروف مؤلفه ، بسبب تآكل وضياع بعض صفحاتها الأولى والأخيرة ، وقلة عدد النسخ الموجودة منها. وقد يقتصر الأمر في كثير من الحالات على معرفة نسخة واحدة من الكتاب ، عليها اسم الناسخ دون المؤلف ، وأحيانا اسم الحاكم أو الإمام أو السلطان الذى نسخ الكتاب من أجله. وربما وردت كل هذه المعلومات في عبارة غامضة في نهاية الكتاب ، لا يفهم منها بالضبط إن كان الناسخ هو المؤلف ، بمعنى أن تكون المخطوطة مكتوبة بيد مؤلفها.
ولا شك في أن تحديد اسم المؤلف يساعد في حالات كثيرة في معرفة هويته ومذهبه وميوله واتجاهاته الفكرية ، وهذه كلها عوامل تساعدنا في الحكم على كتاباته وفي تقييم إنتاجه ، وخاصة إذا كانت هذه الكتابات وذلك الإنتاج يرتبط بحقل التاريخ ، ذلك أن المؤرخ ـ مهما يطالب به من الناحية المثالية ـ من أن يكون أمينا فيما يكتب ، صادقا فيما يروى ، دقيقا فيما يحكي ، موضوعيا فيما يعبر عنه ... فإنه قبل كل اعتبار ـ وبعد أي اعتبار ـ ليس إلا بشرا ، يحب ويكره مثلما يحب البشر ويكرهون ، ويرضى ويغضب مثلما يرضى البشر ويغضبون. وفي كثير من الحالات يستغفله قلمه ليعبر في إشارة ـ قد تكون عابرة ، أو لفتة قد تكون سريعة ـ عما يحس به من أحاسيس شخصية تفصح عن ميوله الخاصة والقومية ، وتكشف النقاب عن مشاعره الدينية والمذهبية ، وتلقي بعض الضوء على نزعاته الفردية واتجاهاته السياسية.