قومة المؤذنين ، وبين يديه ساعيا أحد القومة ، وفي يده عود مخروط أحمر ، قد ربط في رأسه مرس من الأديم المفتول ، رقيق طويل ، في طرفه عذبة (١) صغيرة ينفضها بيده في الهواء نفضا ، فتأتي بصوت عال يسمع من داخل الحرم وخارجه ، كأنه إيذان بوصول الخطيب. ولا يزال في نفضها إلى أن يقرب من المنبر ، ويسمونها الفرقعة. فإذا قرب من المنبر عرج إلى الحجر الأسود فقبله ، ودعا عنده ثم سعى إلى المنبر ، والمؤذن الزمزمي ، رئيس المؤذنين بالحرم الشريف ، ساع أمامه لابسا ثياب السواد أيضا ، وعلى عاتقه السيف يمسكه بيده دون تقلد له ، فعند صعوده في أول درجة ، قلده المؤذن المذكور السيف. ثم ضرب بنعلة سيفه فيها ضربة ، أسمع بها الحاضرين ، ثم في الثانية ، ثم في الثالثة. فإذا انتهى إلى الدرجة العليا ضرب ضربة رابعة ، ووقف داعيا مستقبل الكعبة بدعاء خفي. ثم انفتل عن يمينه وشماله وقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فيرد الناس عليه السلام. ثم يقعد ، ويبادر المؤذنون بين يديه في المنبر بالأذان على لسان واحد. فإذا فرغوا قام للخطبة ، فذكر ووعظ وخشع فأبلغ. ثم جلس الجلسة الخطيبية ، وضرب بالسيف ضربة خامسة. ثم قام للخطبة الثانية ، فأكثر بالصلاة على محمد ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله ، ورضي عن أصحابه ، واختص الأربعة الخلفاء بالتسمية ، رضي الله عن جميعهم ، ودعا لعمي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حمزة والعباس ، وللحسن والحسين ، ووالى الترضي عن جميعهم. ثم دعا لأمهات المؤمنين زوجات النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ورضى عن فاطمة الزهراء ، وعن خديجة الكبرى ، بهذا اللفظ. ثم دعا للخليفة العباسي أبي العباس أحمد الناصر ، ثم لأمير مكة مكثر بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر بن أبي هاشم الحسني ، ثم لصلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب ولولي عهده أخيه أبي بكر بن أيوب. وعند ذكر صلاح الدين بالدعاء تخفق الألسنة بالتأمين عليه من كل مكان.
وإذا أحبّ الله يوما عبده |
|
ألقى عليه محبّة للناس (٢) |
وحق ذلك عليهم لما يبذله من جميل الاعتناء بهم ، وحسن النظر لهم ، ولما رفعه من
__________________
(١) العذبة (بفتح العين والذال) : العلاقة أو العروة ، ولعلها من الجلد.
(٢) البيت للشاعر ابن عبد ربه الأندلسي (٨٦٠ ـ ٩٣٩ م).