وظائف المكوس عنهم. وفي هذا التاريخ أعلمنا بأن كتابه وصل إلى الأمير مكثر ، وأهم فصوله التوصية بالحاج ، والتأكيد في مبرتهم وتأمينهم ورفع أيدي الاعتداء عنهم ، والإيعاز في ذلك إلى الخدام والأتباع والأوزاع ، وقال : إنه إنما نحن وأنت متقلبون في بركة الحاج. فتأمل هذا المنزع الشريف والمقصد الكريم. وإحسان الله يتضاعف إلى من أحسن إلى عباده. واعتناؤه الكريم موصول لمن جعل همه الاعتناء بهم ، والله عز وجل كفيل بجزاء المحسنين ، إنه ولي ذلك ، لا رب سواه.
وفي أثناء الخطبة تركز الرايتان السوداوان في أول درجة من المنبر ، ويمسكهما رجلان من المؤذنين ، وفي جانبي باب المنبر حلقتان تلقى الرايتان فيهما مركوزتين. فإذا فرغ من الصلاة خرج ، والرايتان عن يمينه وشماله والفرقعة أمامه على الصفة التي دخل عليها ، كأن ذلك أيضا إيذان بانصراف الخطيب والفراغ من الصلاة. ثم أعيد المنبر إلى موضعه بإزاء المقام.
وليلة أهل هلال الشهر المذكور ، وهو جمادى الأولى ، بكر أمير مكة مكثر المذكور في صبيحتها ، إلى الحرم الكريم مع طلوع الشمس ، وقواده يحفون به ، والقراء يقرأون أمامه ، فدخل على باب النبي ، صلى الله عليه وسلم. ورجاله السودان ، الذين يعرفونهم بالحرّابة ، يطوفون أمامه وبأيديهم الحراب. وهو في هيئة اختصار ، عليه السكينة والوقار ، وسمت سلفه الكريم ، رضي الله عنهم ، لابسا ثوب بياض متقلدا سيفه مختصرا (١) متعمما بكرزية صوف بيضاء رقيقة ، فلما انتهى بإزاء المقام الكريم وقف وبسط له وطاء كتّان فصلى ركعتين. ثم تقدم إلى الحجر الأسود فقبله وشرع في الطواف ، وقد علا في قبة زمزم صبي ، هو أخو المؤذن الزمزمي ، وهو أول المؤذنين أذانا ، به يقتدون وله يتبعون ، وقد لبس أفخر ثيابه وتعمم ، فعند ما يكمل الأمير شوطا واحدا ويقرب من الحجر يندفع الصبي في أعلى القبة رافعا صوته بالدعاء ويستفتحه بصبح الله مولانا الأمير بسعادة دائمة ونعمة شاملة. ويصل ذلك بتهنئة الشهر ، بكلام مسجوع مطبوع ، حفيل الدعاء والثناء. ثم يختم ذلك بثلاثة أبيات أو أربعة من الشعر ،
__________________
(١) اختصر : اتكأ على عصاه.