في مدحه ومدح سلفه الكريم وذكر سابقة النبوّة ، رضي الله عنهم ، ثم يسكت. فإذا أطل من الركن اليماني يريد الحجر ، اندفع بدعاء على ذلك الأسلوب ، ووصله بأبيات من الشعر غير الأبيات الأخر ، في ذلك المعنى بعينه ، كأنها منتزعة من قصائد مدح بها. هكذا في السبعة الأشواط ، إلى أن يفرغ منها. والقرّاء في أثناء طوافه أمامه. فينتظم من هذه الحال والأبهة ، وحسن صوت ذلك الداعي على صغره ، لأنه ابن إحدى عشرة سنة أو نحوها ، وحسن الكلام الذي يورده نثرا ونظما ، وأصوات القراء وعلوّها بكتاب الله ، عز وجل ، مجموع يحرك النفوس ويشجيها ويستوكف العيون ويبكيها ، تذكرا لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا. فإذا فرغ من الطواف ركع عند الملتزم ركعتين ، ثم جاء وركع خلف المقام أيضا ، ثم ولّى منصرفا وحلبته تحف به. ولا يظهر في الحرم إلا لمستهل هلال آخر ، هكذا دائما.
والبيت العتيق مبني بالحجارة الكبار الصم السمر ، قد رص بعضها على بعض ، وألصقت بالعقد الوثيق إلصاقا لا تحيله الأيام ولا تقصمه الأزمان. ومن العجيب أن قطعة انصدعت من الركن اليماني فسمرت بمسامير فضة وأعيدت كأحسن ما كانت ، والمسامير فيه ظاهرة.
ومن آيات البيت العتيق أنه قائم وسط الحرم كالبرج المشيد ، وله التنزيه الأعلى. وحمام الحرم لا تحصى كثرة ، وهي من الأمن بحيث يضرب بها المثل. ولا سبيل أن تنزل بسطحه الأعلى حمامة ، ولا تحل فيه بوجه ولا على حال. فترى الحمام يتجلى على الحرم كله ، فإذا قربت من البيت عرجت عنه يمينا أو شمالا والطيور سواها كذلك. وقرأت في أخبار مكة أنه لا ينزل عليه طائر إلا عند مرض يصيبه ، فإما أن يموت في حينه أو يبرأ. فسبحان من أورثه التشريف والتكريم.
ومن آياته أن بابه الكريم يفتح في الأيام المعلومة المذكورة ، والحرم قد غص بالخلق ، فيدخله الجميع ولا يضيق عنهم بقدرة الله ، عز وجل ، ولا يبقى فيه موضع إلا ويصلي فيه كل أحد. ويتلاقى الناس عند الخروج منه ، فيسأل بعضهم بعضا : هل دخل البيت ذلك اليوم؟ فكل يقول : دخلت وصليت في موضع كذا وموضع كذا ، حيث صلى الجميع. ولله الآيات البينات والبراهين المعجزات ، سبحانه وتعالى. ومن عجائب