بوجود شروخ فاصلة بين الفضاءات المكونة لها أو ينتابه شعور بالغربة وهو يجوبها ويذاكر أهلها ويساجلهم ، ولكنه يشعر بالاطمئنان والانسجام والتناغم معها ، ولعل هذا البعد الوحدوي الذي يميز هذه الرحلة وغيرها من الرحلات الحجازية راجع بالإضافة إلى نوعية هذه الرحلات ومقاصدها ، إلى نظرة الإسلام إلى الذات وإلى الكيان الإسلامي بصفة عامة ، وهي نظرة تقوم عل مبدإ وحدة كيان الأمة الإسلامية على الرغم من تعدد ألسنتها واختلاف شعوبها وقبائلها ، وهو مبدأ ظل حاضرا في اللاشعور الجمعي الإسلامي ، على الرغم من التشرذم الذي أصاب هذه الأمة على امتداد التاريخ ، وسيظل أفق انتظار واعد لنهضتها وتطلعات شعوبها.
٤. قيمتها الجمالية : وتتمثل في كيفية حوارها للفضاءات الزمانية والمكانية التي تتحرك داخلها ، وأسلوب عرضها لشريط الذكريات التي عاشها المؤلف وهو ينتقل داخل هذه الفضاءات ، فهي تتعامل مع المكان كخلفية مؤطرة لأمكنة تحرك رحلة الشيخ مربيه ربه ومرافقيه من جهة ، وتضفي على هذه الأمكنة جمالية من جهة أخرى ، وهذا الأمر جعلها تتحرك داخل ثنائيات مكانية وزمانية متعددة تحمل دلالات رمزية تحكمها قيم الاتساع والضيق والحرية والسجن ، والمقدس الخالد والعرضي الزائل ، والمألوف والغريب والشرعي والعرفي ، وغيرها من الثنائيات التي تتقابل داخلها ، ورغم هذا التعدد الزماني والمكاني الذي يميزها فإن السياق الوحدوي العام الذي يؤطرها أهل صاحبها لتحويل المطلق الزماني والمكاني إلي تحديدات مكانية قابلة للرؤية البصرية ، فهو لا يكاد يذكر مغادرة أو وصولا أو لقاء أو واقعة دون ذكر السنة واليوم أو الليلة والشهر والسنة التي حصل فيها ذلك ، وهي سمة لازمة في جميع مؤلفاته (١)
لهذه الاعتبارات وغيرها استقر العزم على إخراج هذه الرحلة ، لتساهم ضمن غيرها من الأعمال الجغرافية في إكمال الصورة العامة للأدب الجغرافي المغربي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة.
ولم يكن إنجاز هذه المهمة سهلا ، وذلك لأسباب كثيرة ، منها :
__________________
(٥) نفسه ص ٨.