قال مصنف هذا الكتاب : رأيت المصطفى صلوات الله عليه في المنام بنيسابور فقال لي : «من قال فيما لا يدري : لا أدري ، فهو أعلم الناس».
وفي ذلك سر عظيم ، فإن كل ضلالة تلقي بظلها على العالم ، إنما تأتي من عدم اعتراف الجاهل بجهله ، وقوله في الدين بما لا يعلم ، وخداع العوام عادة بتقوى ظاهري التقوى ممن لا علم لهم فيطلبون العلم منهم ، ويرى أولئك الجهلة الفضيحة والعار لو أنهم اعترفوا بجهلهم ، وأن الناس سيبتعدون عنهم ، لذا فهم يتكلمون بما لا يعلمون ، وبحكم صلاح ظاهرهم يتلقى الناس كلامهم ـ بحسن ظن ـ بالقبول والإصغاء ، لتجد الضلالات والبدع طريقها إلى عالم الوجود.
وإن أصل كل ضلالة دخلت أديان موسى وعيسى ومحمد ، صلوات الله عليهم ، هو من الجاهل الظاهر الصلاح الخالي من العلم [١٤٤] ومنذ أن خلق الله العالم ، كان عادة العوام في كل مكان أن يكونوا مريدين للجاهل الظاهر الصلاح الزاهد سليم القلب ، وكلامه أكثر إقناعا ، وأسرع قبولا لديهم ؛ وإن اقتلاع هذا البلاء من بين الناس صعب. ولقد عجز علماء الأمم عن أن يبعدوا العوام عن ظاهري الصلاح سليمي القلوب الجهلة ، فإن أرادوا يوما أن يظهروا بطلان عمل أولئك الجهلة من أهل الصلاح الظاهر ، راج سوقهم ، وازداد إقبال عوام الناس عليهم.
فلا ينبغي أن تعطى الأولوية للصلاح في أول صحيفة العلماء ؛ لأن الصلاح المطلق مدح للنساء ، قال الله تعالى : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)(١) ، وقال الله تعالى : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ)(٢) ؛ فالنساء هن اللواتي يجب أن يتزّين بالصلاح والعفة ، وأما صفات النساء الأخرى فهي تبع للصلاح. وفي باب
__________________
(١) سورة النور ، الآية ٣٢.
(٢) سورة التحريم ، الآية ٥.