المصطفى صلوات الله عليه ، كان في أحد الأيام بمجلس غاص بصدور الصحابة وصناديد العرب ، وبينهم شمس النبوة وشارح وشارع الشريعة المصطفى صلوات الله عليه ، الذي ارتفعت سماء الرسالة بهمته ، وصار قاب قوسين من مراكب الشرف ، فجاء أعرابي قد أطاع شيطان الشباب ، يجر ذيل الرعونة ـ وهو في خمار خمر الجاهلية ـ على بساط التجربة ، وطرح ضبّا بين يدي المصطفى عليهالسلام قائلا : لن أعترف بنبوتك ، حتى ينطق هذا الضب كالبلبل بالتوحيد ويقرّ لك بالرسالة ، ويتلألأ نجم لفظه من أفق صوته ، ويشرب شراب الإيمان في كأس الفرح ، حيث إن هذا الحيوان الذي يسمع كلام الآدمي ، ولم ير المحافل والمجامع ، جرى على لوح وجوده هذا اليوم قلم التصرف الآدمي ، وعلى سرير حظه استقرت مسألته ، الذي لم تكن شمس حياته قد حملت على العمل ، ولم يرض مركب ألفته وأنسه مع الناس ، حتى ضربوا فيه المثل فقالوا : أعقّ من ضب (١) ، ولا يرد الضبّ الماء (٢) ، وأ تعلمني بضب أنا حرشته (٣).
__________________
ذكرناه هو أمثل الأسانيد وهو أيضا ضعيف». وقد جمع المتقي الهندي في كنز العمال آراء حشد من جهابذة علمي الحديث والرجال فقال بعد أن أورده (١٢ / ٣٥٨): «قال ابن دحية في الخصائص : هذا خبر موضوع ، وقال الذهبي في الميزان : هذا خبر باطل ، وقال الحافظ ابن حجر في اللسان : السّلميّ [هو أحد رجال سند هذا الحديث] روى عنه الإسماعيلي في معجمه وقال : منكر الحديث».
(١) في جمهرة الأمثال (٢ / ٦٩) «أعقّ من ضبّ» ، يريدون «من ضبة» فأسقطوا الهاء لكثرة الاستعمال ، وعقوقها أنها تأكل أولادها ، وذلك أنها إذا باضت حرست بيضها وقاتلت كل من أرادها من حية أو ورل ، فإذا خرجت أولادها وتحركت ظنتها شيئا يريد بيضها ، فوثبت عليها فقتلتها فلا ينجو منها إلّا الشريد».
(٢) في الأساطير العربيّة فإن الضب لا يشرب الماء أبدا (جمهرة الأمثال ، ١ / ٢٠١) ؛ فإذا عطش استقبل الريح ففتح فمه فيكون في ذلك ريّه (مجمع الأمثال ، ١ / ٣١٥).
(٣) أصل الحرش الأثر بالشيء وهو هنا بمعنى الإثارة وهو أن تثير الضب من جحره فتستخرجه ، يضرب لمن يخبرك بشيء أنت به منه أعلم (مجمع الأمثال ، ١ / ١٢٥ ؛ جمهرة الأمثال ، ١ / ٧٦).