وما فعلوه بحواضر العلم والأدب وأهلها وعلمائها : «ومروا بطوس فاستباحوها وقتلوا حتى العلماء والزهاد وخربوا حتى المساجد ، ثم ساروا إلى نيسابور في شوال ٥٤٩ ففعلوا فيها أفحش من طوس حتى ملأوا البلاد من القتلى. وتحصن طائفة بالجامع الأعظم من العلماء والصالحين ، فقتلوهم عن آخرهم ، وأحرقوا خزائن الكتب وفعلوا مثل ذلك في جوين وأسفرايين ، فحاصروهما واقتحموهما وفعلوا ما فعلوا في البلاد الأخرى» (١). ولقد أشرنا فيما فيما مضى من هذه المقدمة إلى بعض ما ارتكبه هؤلاء بحق العلماء والمكتبات التي كان كثير منها ملحقا بالجوامع ، وحدث أحيانا أن أحرق العلماء داخل الجوامع التي كانوا يلجأون إليها ، ففي ترجمة أبي نصير عبد الرحمن الخطيبي الفقيه المذكور في معجم البلدان نجد : «لما وردت الغز (إلى مرو) صعد في جماعة إلى المنارة ، فأضرم الغز فيها النار فأحترق أبو نصير وابنه» (٢). كما كانوا يضعون بعض العلماء أهدافا لسهامهم فيرشقونهم حتى الموت كما فعلوا بأبي حفص عمر بن محمد الصكاك الطوسي (٣). وقد ذكرنا فيما مضى عقوبتهم بحثو التراب في أفواه العلماء حتى الموت. وعلى حد تعبير ياقوت : «قدموا نيسابور وقتلوا كل من وجدوا واستصفوا أموالهم ، حتى لم يبق فيها من يعرف وخربوها وأحرقوها» (٤).
وبهذا قتل على أيدي «الظلمة الغز» (٥). هذا الحشد الهائل من العلماء والأدباء الذين كان من بينهم بلا شك بعض أساتذة أو تلامذة البيهقي ، وضاعت أخبارهم ـ فضلا عن آثارهم ـ والسبب في هذا الوهم على ما يبدوا هو اختفاء البيهقي من نيسابور خلال تلك الحوادث. ذلك أننا نعرف أنه كتب في سيرته الذاتية يقول : «فعدت إلى بيهق في
__________________
(١) تاريخ ابن خلدون ، ٥ / ٧١.
(٢) معجم البلدان ، ٢ / ٤٢١ (خرجرد).
(٣) منتخب معجم شيوخ السمعاني ، الورقة ١٧٢ أ ، التحبير ، ١ / ٥٤٠.
(٤) معجم البلدان ، ٤ / ٨٥٨ (نيسابور).
(٥) يستخدم هذا التعبير منهاج سراج في طبقات ناصري ، ١ / ٢٧٧.