في غرائب الأمور التي انفردت بها بيهق عن سائر البقاع والنواحي
الأول : الفضلاء والأدباء ، حيث قيل إن بيهق كانت تدعى في تلك الأيام تهامة الصغرى لكثرة الفضلاء والأدباء الذين كانوا فيها ، واليوم حيث أصبحت رسوم نضارة العلم منسوخة ، وتردّت همم طلاب الأدب في مهاوي القصور والنقصان ، فلا يزيد عدد من صناعتهم الأدب ، والمعرفة التامة بلغة العرب ، على ثلاثين شخصا يجيدون النظم والنثر.
الثاني : إن خطّاطيها نسّاخ ، وذلك من الغرائب ، حيث يستطيع الخطاط النّسخ ، وهو من عجائب الدهر ، حتى أن بديع الكتبة علي بن إسماعيل الكاتب ـ ويقال لأهل بيته بنق ـ لقب بابن البواب الثاني وابن مقلة (١) وصهره هو معين الأفاضل محمد بن علي بن حيدر الأحنف الأخوينيّ المقرئ ، وكان جدّ أبيه الفقيه محمد الأحنف الأخوينيّ [٢٧٧] فقيها وشاعرا ، وهو من أطراف دهستان ، وقد ذكرت شعره في وشاح دمية القصر ، وكان خطاطا وناسخا ، وكان يكتب في اليوم ما يزيد على طبقين من الكاغذ بالخط المنسوب.
وأرباب الخطوط الجميلة كثيرون في هذه البلاد ، إلّا أن العادة قد جرت أن يقوم شمس الأئمة ، والحاج محمد بن الفقيه أبي علي يحيى بن علي المؤذن بترسيس وتسريش ما يكتبه بديع الكتبة بخطه ، وكان ذلك التجليد أعجوبة إلى الدرجة التي يصعب معها أن يوجد مثل ذلك الخط وذلك التجليد في هذه الأقاليم ، وقد جلّد الفقيه الحاج محمد المؤذن في هذه السنة مصحفا باهض التكاليف لصلاح الدين صالح
__________________
(١) الأول منهما هو علي بن هلال البغداديّ المعروف بابن البواب المتوفى سنة ٤١٣ ه ، والثاني هو الوزير والشاعر والأديب محمد بن علي المعروف بابن مقلة المتوفى سنة ٣٢٨ ه ، وكلاهما خطاط ضرب بجمال خطه المثل.