يقول مصنف هذا الكتاب : إن بقايا أفاضل العصر كسيرو القلوب وألفّاء الألسن ، وحال شيوخ العلماء بين الشباب كالخرقة البالية بين الثياب القشيبة ، والفاكهة اليابسة وسط الفاكهة الطرية.
ومثل العلماء والسلاطين كمثل المطر والنبات ، فإن وجد النبات من المطر النيساني مددا ، نما ، وإن حرم ، عراه الذبول ، ولذا قالوا : الدين بالملك يقوى.
ولأن استبهام الأخبار ، واستعجام أحوال الأخيار والأشرار ، هي أسباب توزّع الخاطر ، لم يبق مجال للصبر في مدة الانتظار ، ومع ذلك فلا وجه لسوء الظن بلطف الحق تعالى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(١).
ولأن المجالس الرفيعة ـ زادها الله رفعة ـ محط الرجال ، واتحاف الفضلاء والعلماء في تلك المجالس كصحائف الأمان وقميص يوسف عليهالسلام ، زيّن كل واحد منهم بروضة الرضوان ، وأنوار البيان ، وأزهار البرهان ، وكحلت نواظر العالم بكحل سرور مطالعتها ، فإن الحظ النائم يستيقظ ، والدهر المعاند يسعف ، والفلك المعاند يطاوع.
لن أغرق بالأثنية والمدائح التي تحصل بها الإراحة المؤقتة ، بل سأنشغل بالمواعظ والنصائح التي تعطي الثمار الحسنة في الدّارين ، (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(٢).
يجب أن يعرف ، أن كل أوائل وبدايات المخلوقات متصلة بالأواخر والنهايات ، وكل نظام في العالم سيعقبه التفرق والزوال (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ)(٣) ، وكل نعيم لا محالة زائل ، يتساوى في ذلك رب التاج [٢٨٧] والفقراء والمحتاجون ، والرءوس والأذناب.
__________________
(١) سورة الطلاق ، الآية ٧.
(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٨٧.
(٣) سورة النحل ، الآية ٩٦.