وأداء الأوامر واجتناب النواهي ، لم يظهر أثر نور السعادة ، وقد اختلف أهل الملل والنحل على كل الأشياء ، إلّا أنهم لم يختلفوا في مسألة أن معصية الحق تعالى ضارة ، والإصرار على المعصية والمواظبة والدوام عليها هو البلاء المتراكم ، عندما يأتي ملك الموت والحربة في يده [٢٨٨] فيظهر من القلق والجزع ما لا يثمر إلّا الحسرة (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)(١).
ومن كانت معصيته نقدا وتوبته نسيئة ، كان كمن شرب السم القاتل ، وأخّر تناول التّرياق الشافي وقصّر في طلبه ، وقد ذكروا في الحكايات أن أحد الملوك كان ذا غفلة ، فمرّ يوما مع وزيره ـ وكان عالما عاقلا ـ على رجل كريه المنظر ، ثيابه قد جمّعها من خرق المزبلة ، شعره طويل وأظافره غير مقلمة ، قد جلس على رماد في أتون حمام ، وقد جلست قبالته امرأة عجوز تطبخ الدخن على وقود من الأقذار ، وكان ذلك الرجل يردد بيتا من الشعر غير موزون يتغنى فيه بجمال تلك المرأة وسحرها قائلا : من الذي يعطى افضل من هذا؟ هذا وقت غاب عنه العذول والرقيب.
فقال الملك : أية حياة هذه ، وأية دناءة في الهمّة.
قال الوزير : أيّها الملك ، إن قياس نعمة الدنيا إلى نعمة الآخرة ، هو نفس هذا ، فجلوس وقيام وطعام ولباس هذا الرجل وهذه المرأة هو كدولتك ونعمتك ، فكما تنظر أنت إلى هذا بعين الحقارة ، فإن كل من فكر في لذات العالم الآخر ، نظر إلى لذات هذه الدنيا بالاستخفاف والتحقير والتصغير ، قال رسول الله صلّى الله عليه : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى منها كافرا شربة ماء» (٢).
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ٣٩.
(٢) سنن ابن ماجه ، ٢ / ١٣٧٧ ؛ تاريخ مدينة السلام ، ٥ / ١٤٨ ، وعقّب الخطيب البغداديّ على الحديث بقوله : «هذا حديث غريب جدا من حديث مالك» ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ١٩ / ٦٣ ؛ المصنف لابن أبي شيبة ، ٨ / ١٢٨ ؛ مسند الشهاب ، ٢ / ٣١٦ ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ٦ / ١٥٦ ؛ مجمع البيان ، ٧ / ١٢٨ ؛ سبل الهدى والرشاد ، ٧ / ٧٨ ؛ الدر المنثور ، ٣ / ٢٣٩ ، ومصادر أخر.