فعندما تصدر أمرا بحبس وقتل عبيد الحق تعالى فكّر بذلك الأمر الذي يقول (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ)(١) و (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ)(٢) لكي تتواصل البركات الكثيرة بميامن أيامها في هذا العالم ، وتدون سور سيرها في دفاتر المفاخر (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(٣).
اعلم أن عيب الدنيا من عشرة أوجه :
الأول : كلّها شقاء وعناء ، فلا تجد أحدا غير مبتلى بنوع من شقائها ، لم ير منها أي آدمي الراحة ، فكيف بالحيوان الذي يحمّل بعضه العذاب ، وبعضه يموت بالعناء ، فالطيور في خوف من الفخّ والشرك ، والوحوش في شقاء بعضهم مع الآخر (٤) :
حلاوة دنياك مسمومة |
|
فلا تأكل الشّهد إلّا بسمّ (٥) |
__________________
(١) سورة الحاقة ، الآية ٣٠.
(٢) سورة الدخان ، الآية ٤٧.
(٣) سورة آل عمران ، الآيتان ١٣٥ ـ ١٣٦.
(٤) لم نهتد إلى قائلي بعض الأبيات التي ستأتي.
(٥) في منتخب معجم شيوخ السمعاني (ص ١١١ أ) قول أبي الوفاء سعيد بن أحمد القرميسيني : أنشدني والدي أبو مطيع البيهقيّ :
وعيشك بالهم مقرونه |
|
فلا تقطع العيش إلا بهمّ |
حلاوة دنياك مسمومة |
|
فلا تأكل الشهد إلا بسمّ |
«إذا تمّ أمر بدا نقصه |
|
توقّع زوالا إذا قيل : تمّ» |
وفي روضة الواعظين (ص ٤٤٩) ، عزي «حلاوة دنياك ..» لوحده لأبي العتاهية.