كفى زاجرا للمرء أيّام دهره |
|
تروح له بالواعظات وتغتدي (١) |
فائدة أخرى : إن وسائل المعرفة لدى الإنسان هي : العقل والحس والمشاهدة ، والمسموعات هي من أبواب المحسوسات ، ولا يمكن معرفة أحوال العالم عن طريق العقل ؛ كما لا يمكن لإنسان ما أن يبقى حيا مدى الدهر ليطلع على أحوال وأخبار العالمين.
إذن فالطريق لمعرفة أحوال وأخبار البشر ، والطريق لمعرفة الأقوال والأخبار والآثار هو طريق التأمل في التواريخ ، وفوائده مستنبطة بالاستماع.
فائدة أخرى : علم التواريخ علم لذيذ ومستساغ تغلب فيه الهشاشة والبشاشة على الملل والسأم ؛ ولا تعجز خطوات خطراته عن نيل المقصود [٩] ، ولا يقصر البنان واللسان عن تحصيله وتفصيله ، ولا ينقص من قدره الانقطاع عن مشاهدة المحسوسات من وقائعه ، ويعبق نسيم عرفه من بساتين أنس الصدور وحظائر قدس القلوب ، والإنسان مجبول على حب الإحاطة بالعلم وأحوال العالم الكائنة والموجودات ، وحال حاسة السمع عند استماعها الأخبار والحكايات ، كحال العين في نظرها للوجوه الجميلة ؛ فكما أن كمال العين هو بالنظر إلى الوجوه الجميلة ، فإن كمال السمع بالاستماع إلى التواريخ والأخبار ، وليس في حواس الإنسان أشرف من حاستي السمع والبصر ، وقيل في الأمثال : «لا تشبع عين من نظر ، ومسمع من خبر ، وأرض من مطر» (٢).
__________________
(١) المستطرف (١ / ٧٧) بلا عزو لأحد.
(٢) في مجمع الزوائد (١ / ١٣٦) نسب إلى النبي (ص) قوله ((أربع لا يشبعن من أربع : عين من نظر وأرض من مطر وأنثى من ذكر وعالم من علم)) وعقب مؤلفه :((رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد السلام بن عبد القدوس ، وهو ضعيف لا يحتج به)) (انظر أيضا كتاب المجروحين لابن حبان ، ٢ / ١٥١ ، الذي ترجم لعبد السلام هذا وقال إنه يروى الأشياء الموضوعة ولا يحل الاحتجاج به بحال) ورواه النسفي بنفس سنده هذا في القند (ص ٣٣٠).