داخل القلعة عشرة منازل ، وخارجها ما يقرب من سبعمائة منزل سليم ، سقوفها مغطاة بالطين ، آهاليها من أتباع المذهب المالكى ، المياه متوفرة فى كل منزل من منازلها ، تمورها لا مثيل لها فى ديار أخرى. والنهر الذى يمر وسط المدينة يروى الحدائق ، والبساتين ، التى تنتح الليمون ، والنارنج فى حجم رأس الإنسان. محصولها من القمح وفير ، ينضج فى شهرين ، نساءها جميلات المظهر والمخبر ، أهلها شداد ، عصاه ، غلاظ. يقدحون الحجاج المسلمين ب «القرمانى ، أو أولاد النصارى».
نادى المنادون بأن القافلة ستستريح هنا يوما واحدا .. وصدر أمر إلى الآهالى مفاده «على كل من الآهالى أن يخرج ما فى بيته من بضائع إلى السوق ، وإلا ستقطع رأسه». فأخرج الأهلون ما لديهم ، وتكدست البضائع فى السوق ؛ من خبز ، وبقسماط ، ومأكولات مختلفة. فأشترى الحجاج حاجتهم. وأحضر ألف جمل ، استبدلت بعضها بجمال الحجاج النحيفة المنهكة ، وأستأجر البعض الآخر. وقدّم الآهالى إلى الباشا الأشياء المعهودة حسب القانون.
أقام الباشا الحراس ، فى كل مكان ، هذه الليلة ، وجعل المنادين ينادون فى الحجاج ، بضرورة أن يتخذوا الحذر ، والحيطة ، ولكن الحجاج المساكين ـ الذين لم يذق أى منهم طعم الراحة ، أو النوم منذ مدة ـ قد استغرقوا فى النوم فور خلودهم إلى الراحة. وما أن انتصف الليل حتى نجح بعض لصوص الآعراب فى الإندساس بين الجيش وفى أيديهم الحبال ، والأربطة ولكن قوات السكبان (١) والصاريجة (٢) الذين
__________________
ملوك الفاطميين ، اتخذ من القاهرة عاصمة لمصر بعد فتحها ، ولد فى المهدية سنة ٣١٨ ه ، عين وليا للعهد فى زمن والده ، وتولى العرش عقب وفاة والده سنة ٣٤١ ه.
بعد أن أقر الأمن والهدوء فى بلاد المورسكين ، وشمال أفريقيا بعث بجيشه تحت قيادة جوهر الصقلى إلى المغرب ، ففتحها وأدخل كل بلدان البحر الأبيض تحت سيطرته ، ووصل بالبحر إلى المحيط ، وفى سنة ٣٥٨ ه بعث بجيش أكثر كثافة تحت قيادة جوهر الصقلى أيضا إلى مصر. وصادف ذلك وفاة كافور الإخشيدى ، وعم مصر القحط ، والوباء مما سهل دخول جوهر إلى مصر ، وخضعت له بالتبعية الشام والحجاز التى كانتا خاضعة لمصر. أسس مدينة القاهرة ، وأغرى جوهر المعز بالمجئ إلى القاهرة ، وأخيرا وصل المعز مصر سنة ٣٦٤ ه ونقل رفاة أجداده وأباءه إليها ، وأتخذها عاصمة لملكه ، استمر فى الحكم ٢٤ سنة ؛ ٢١ فى المغرب وثلاث فى مصر توفى سنة ٣٦٢ ه ، كان عالما ، وشاعرا ، وحكيما ، وعاقلا ومدبرا لكافة الأمور. «المترجم»
(١) السكبان : «Sekban» : فرقة من فرق قوات الانكشارية ، تكونوا فى عهد محمد الفاتح ، وكانوا مكلفين برعاية ، وتربية ، وتدريب كلاب الصيد .. ثم انخرطوا فى صفوف الانكشارية ، وأصبحوا من عمدة المشاة فى الجيش