كانوا كامنين فى مخابئهم ، استطاعوا القبض عليهم ، واقتادوهم إلى الباشا فورا ، فأمر بجز نواصيهم ، دون رحمة ، وهوادة. مكثت القافلة يوما آخر للراحة ، ثم تحركت فى الصباح الباكر. وعندما وصلنا إلي المضيق ، انهالت علينا رصاصات آعراب «علا» "Ula " ، ولكنا حمدا لله لم يصب أحد بسوء ، ورد الجند بالهجوم فأصابتهم الدهشة ، ولم يدروا كيف يتصرفون حيال هذا الهجوم المضاد ، المفاجئ. وكانت النتيجة أن قتل حوالى أربعين بدويا فى هذه المحاولة.
دقت طبول الموسيقات العسكرية ، وصدحت معها الجبال ، وتردد الصدا فى جميع الأنحاء .. أكلنا اللوز النبوى الذى تشتهر به هذه المنطقة. ثم قطعنا ست عشرة ساعة أخرى ...
منزل بئر زمرد :
مرحلة وسط الصحراء ، ليس بها ماء وفير. نشب عراك حول الماء ، مما أدى إلي مقتل أحد الأبطال. وما أن عبرنا هذا المكان حتى نادى المنادون «... يا أمة محمد ... إننا سنمر الليلة من بين يهود خيبر ، إنهم يشربون دماء محمد صلىاللهعليهوسلم نفسه لو كان حيّا ، فمن كانت حياته ، وماله غاليا عليه ، فليكن حذرا ..».
وما أن خيّم ظلام الليل حتى أشعلت مئات الألوف من المشاعل والفوانيس والمصابيح. وتم القبض على ثلاثة يهود ، وقطعت رقابهم كانت الطرق فى هذه المنطقة مليئة بالأشواك ، محاطة بأشجار السنط ، المليئة بالشوك ، ومن الطريف أن عمائم وقلانس الكثيرين قد بقيت معلقة بهذا الشوك. كما جرح الآلاف منه. وأدميت أطراف البعض. تعلق قلباق (١) أو أحد من البوشناق (٢) فى هذا الشوك قد
__________________
العثمانى. وكانت اورطتهم موزعة على ٣٥ بلوكا .. وعلى رأس كل بلوك ضابط ، ويطلق على رئيسهم فى التاريخ العثمانى. «سكبان باشى» أي رئيس السبان. «المترجم»
(٢) الصاريجية ـ صاريجه Sarica مصطلح عسكرى يطلق على عصاة الجند فى منطقة الأناضول خلال فترة حكم الدولة العثمانية. وقد نسبوا إلى صاريجه پاشا الذى تعرض لغضب السلطان محمد الفاتح لما ارتكبه من عصيان وثورة. وقد مرت هذه الحادثة فى التاريخ العثمانى تحت مسمى «عصيان صاريجه پاشا» وأصبح هذا المصطلح يطلق على الجنود الذين يظهرون العصيان .. فيتم ابعادهم عن العاصمة. «المترجم»
(١) قلپاق : غطاء رأس يصنع من الجلد ، أو الوبر ، أو الجوخ ، ويرتديه التتار ، والبلغار ، والچركس ، ومنه أنواع عديدة. يرتديه الخيّالة .. ومنه أنواع تصنع من السمور ، والفراء وقد ارتدت طائفة من التركمان نوعا منه لونه أسود ، فأطلق عليهم هذا الإسم. «المترجم»