قدم هود عليهالسلام إلى هذه الديار ، وتوطنها ، ثم توفى بها عن عمر جاوز المائة وخمسين سنة. وقد أمضى حياته بالتجارة.
وقبيل تحرك القافلة ، من هذا الموقع ، وصل رهط من الفرسان العرب ، يتراوح عددهم ما بين أربعين ، أو خمسين فارسا ، وطلبوا حصتهم من الصرة ؛ وقالوا أنها ستة آلاف وستمائة قرش ، فأخبرهم الباشا «إن القانون لا يسمح لي بدفع أكثر من ثلاثمائة قرش فقط» فقال قائد الفرسان .. «إن تدفعوا. فهذا حسن .. وإن لم تدفعوا فسترون ماذا تشربون من هنا حتى المدينة .. علاوة على ما بالطرق من عوائق» وما أن سمع الباشا هذا الكلام ، حتى أصدر أوامره ، بالقبض عليهم ، بعد أن واجههم بالعبارات التالية. «أيها الكفرة الجاحدين ... لقد اغلقتم الآبار ، وهل تظنون أن ما فعلتموه يخفى علينا ..» وتم القبض عليهم ، وإقتيدوا وسط لعنات الحجاج ، ولطمات الجند ، وربطوا بالجمال وهم حفاة الأقدام ، فوق الرمال المحرقة ، وتحت أشعة الشمس القائظة واستمروا على تلك الحالة عدة أيام ، كان من نتيجتها ؛ وفاة إثنين منهم. تابعت القافلة مسيرتها سبعون ساعة حتى وصلت إلى :
مرحلة نبع الهديه :
هذه المنطقة عبارة عن وادى أخضر ، تتراكم فيه مياه الأمطار ، فيستفيد بها الآهالى ، فى القضاء على الجفاف. مياهه تميل إلى الملوحة بعض الشئ ، لدرجة أن من يكثر من شربها يصاب بالإسهال. وقد اتضح أن أعشاب هذا الوادى كلها من السيناميك المسهل.
وكانت دهشتنا كبيرة حينما أحضر باشجاويش الشام (١) أحمد آغا ، وكتخدا قاپى قولى (٢) أحمد آغا سمكا ، إلى الباشا ، فسألهما فى حيرة ، «ليس هنا نهير ، أو بحيرة فمن أين أحضرتم هذا السمك؟ فقالا : «.. يقال أن الله سبحانه وتعالى جلت
__________________
(١) باشجاويش الشام أحمد آغا : من أشهر جاوشية قوات الإنكشارية فى الشام ، وكلّف بالعمل مع قائد قافلة الحج سنة ١٠٨١ ه «المترجم».
(٢) كتخدا قاپى ، أحمد آغا : من قوات الحرس فى السراي السلطانى ، ومن المكلفين بإحضار قافلة الحج إلى الديار الحجازية. وكان مع قافلة سنة ١٠٨١ ه.