قطعت القافلة هذه المسافة فى تسع عشرة ساعة. حتى وصلت إلى ؛ وادى القرى القديم.
وادى القرى القديم :
ويسمونه أيضا المدينة القديمة ، مياهه وفيرة ، عذبة ، يفد إليه البدو من المناطق المحيطة ، ليبيعوا منتجاتهم إلى الحجيج. بعده دخلت القافلة ممرا ضيقا ، وما أن غربت الشمس حتى أشعلنا آلاف المشاعل والفوانيس تجنبا لمخاطر قطاع الطرق ، وعبرنا هذا الممر الضيق بسلام ، ونحن تحت حراسة الجند المدجج بالسلاح. وفى صبيحة اليوم التالى وصلنا إلى دار الوداع :
دار الوداع أو وادى الإستقبال :
وتسمى هذه المنطقة «دارخازن» أيضا. وجميع الجبال الممتدة من الشام حتى هذه المنطقة ؛ جبال ملساء ، جرداء ، عارية ، من الغابات ، أو الأشجار ، ولما كان أهلها جميعا يستقبلون أهل المدينة هنا فلذلك سميت «وادى الاستقبال».
وقد قدم كل أعيان المدينة ، ووجهائها ، ومطوفوها ومرشدوها ـ مع آهالى المنطقة ـ لإستقبال الموكب ، وكانوا جميعا يرتدون ملابس بيضاء ، وجوههم نورانية ، تعلو البسمة شفاههم ، عيونهم حورية كحيلة ، فى صوتهم رقة ، وعذوبة ، تبدوا عليهم علامات الصحة ، أشداء قدموا مهللين ، فرحين ، وقد حملوا هداياهم. مكثنا ساعتين فى هذه البقاع ، قضيناها وسط ترحاب المستقبلين. ولم يكن قد بقى سوى يوما واحدا عن حلول شهر ذى الحجة. ولو توقعنا ؛ توقف الحجاج ، يوما ، آخرا فى مكة المكرمة ، ولما كانت وقفة عرفات فى العاشر من ذى الحجة ؛ لإتضح من ذلك ؛ أن اللحاق ببداية مراسم موسم الحج غير ممكن ، لذلك تابعت القافلة سيرها ، وواصلت ليلها بنهارها. ولم تحط رحالها منذ الخروج من «مزيربّ».
وهذه المسافة عبارة عن أربع وعشرين مرحلة ، تستغرق ثلاثمائة وخمسين ساعة ، سيرا بالجمال أما إذا كانت الطرق معبدة ، مستوية ، وفيرة المياه ، والطعام ؛ فإن