المسافة تستغرق مائة ساعة فقط ؛ بالخيول ، والبغال. ولكن لما كانت الطرق غير ذلك ؛ تحتم على القوافل استخدام الإبل. وكما هو معلوم ؛ فليس هناك فرق كبير ، بين ما تقطعه الإبل ، وبين ما يقطعه المترجل فى سيره ، أو من يسير على قدميه ، لذلك ، لو إهتم السلاطين بإنشاء الطرق الرئيسية ، أو السلطانية (١) من الشام إلى
__________________
(١) الطرق السلطانية : مصطلح إدارى يطلق على الطرق الرئيسية الواقعة بين الحرمين الشريفين ، ولما كان السلاطين هم الذين يهتمون وكان حجاج بيت الله الحرام يتوجهون بعد الإنتهاء من مناسك الحج إلي المدينة المنورة للتشرف بزيارة المسجد النبوى الشريف ، والسلام على النبى المصطفى ، وزيارة الروضة المطهرة ، والحجرة المعطرة ، وكانت القوافل تسلك طرقا عديدة ، رأينا أنه من المناسب الإشارة إليها : وخاصة الطرق الرئيسية أى السلطانية ؛
الطريق السلطانى : إن أول منزل للخارجين من مكة المكرمة هو القرية المشهورة المعروفة ب (وادى فاطمة). إن هذه القرية تبعد عن مكة مسافة ست ساعات سيرا بالجمال. وتشتهر بعيونها الجارية ، وحدائقها وبساتينها اليانعة التي تشتمل على النخيل وسائر الأشجار الأخرى.
إن الليمون والنارنج وأكثر الخضروات التي تباع فى مكة المكرمة تزرع فى هذه القرية.
والمرحلة الثانية للخارجين من مكة المكرمة تكون عند البشر المسمى (بئر عسفان). كما تسمى هذه المرحلة أيضا (بئر التفل).
وتبعد مرحلة بئر عسفان اثنتى عشرة ساعة عن قرية (وادى فاطمة) ، ومياه تلك الآبار رقراقه وعذبة حلوة المذاق.
ولما كانت مياه تلك الآبار مخلوطة بمياه وجه الأنبياء وبريق سيدنا ونبينيها (عليه وعليهم التحية) فإن مياه النيل والفرات وربما ماء الكوثر تغبطها على طلاوتها. وهنا فى هذا الموضع يوجد البئر المشهور بين العرب ب (بئر التفلة).
والمسافرون من بئر التفلة يصلون إلى قرية (خليص) بعد ثمان ساعات من تحركهم. وقرية خليص تبعد عن مكة المكرمة بثلاث مراحل ، وتشتمل على العديد من الآبار والعيون الجارية ، كما أن بها الكثير من البساتين ، وحدائق النخيل المثمر.
والقوافل المترددة بين مكة والمدينة تواصل سيرها إلي (قضمية) بعد استراحة قصيرة تمكنها من الاستسقاء فى مرحلة خليص.
وقضيمة هى المرحلة الرابعة وبينها وبين خليص إثنتا عشرة ساعة سيرا بالجمال.
ومرحلة قضيمة بها ثلاثة آبار ، إلا أن مياهها مالحة بعض الشئ ، وذلك لقربها من البحر. ولما كانت هذه القرية المذكورة وفيرة الأسماك فقد لقيت استراحتها رواجا بين المسافرين المحليين المترددين عليها.
والقوافل المتحركة من هذا الموضع تصل إلي (رابغ) التى تبعد مسيرة ست عشرة ساعة عن قضيمة من ناحية المدينة المنوره.
ومع أن هناك بعض التباب الصغيرة الممتدة على طول الطريق بين مكة المكرمة ورابغ ، إلا أنها غير مرتفعة بالقدر الذى يحجب الرؤية. ولذلك كانت معظم المواقع فى هذا الطريق ترى البحر بسبب قرب منطقة رابغ من البحر كذلك.
ولما كانت الطرق الموصلة بين قضيمة ورابغ معبدة ورملية فى معظمها ، فلذلك كان السير فيها مريحا.
وكانت الطرق الموصلة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة تتعدد عن رابغ ، وكان أكثرها استعمالا يسمى (الطريق السلطانى).
والمرحله الأولى للطريق السلطانى (الرئيسى) أى الاستراحة الأولى للقوافل المتحركة فى رابغ ، كانت فى موقع (مستورة) الذى يبعد ست ساعات عن رابغ.
وبهذه المرحلة التى تقع فى الميدان الصحراوى المسمى (منخفض ميمون) بئران : أحدهما عذب المياه ، والآخر مالح.