وقام شيخ الحرم بلف حسين باشا بفوطة بيضاء ، ثم سلّمه مكنسة ، وكنا ـ والعبد الفقير ـ سبعة أشخاص ، وكل منامعه مكنسته. وناب شيخ الحرم عن السلطان ، وأخذ هو الآخر مكنسة فى يده. وفتح باب المقصورة ، ودخل الإثنى عشر طواشيا ، ثم أغلقوا الباب ، ولم يسمع لأى إنسان آخر ، بالولوج إلى الداخل.
وكانوا يرددون عند دخولهم «دستور يا بنت رسول الله» أي الإذن يا بنت رسول الله حيث أنه لا بد من المرور من جوارها ، عند التوجه إلى مقصورة النبي الكريم.
قبّل الباشا (١) ، والعبد الحقير ، الأرض بين يدي خير الكائنات طالبين الشفاعة. ثم بدأنا فى تنظيف المكان. وكان مجموع الذين فى داخل المقصورة قد أصبح خمسة عشر فردا. ولكني أنا العبد الفقير ، فقد فقدت وعي ، وجاشت روحى من العشق والجوى ، وكنت كلما عدت إلي نفسي ، ووعيت ما حولى ، عدت إلى التوسل بشفاعة الحبيب المصطفى. ثم أشعلت ثلاثة قناديل. وفى وسط القبة الطاهرة ، تماما ، تتدلى ناموسية «كله» رقيقة ، لم تر عيناي ، لها ، مثيلا ، فى طول الأرض ، وعرضها سواء من ناحية الإبداع ، فى الصنع أو القيمة. ولا يسمح قط بدخول أي أحد تحتها ، حيث أن جسد الحبيب المصطفى مسجى فى صندوق مغطى بجزء من غطاء الكعبة الشريفة الأخضر.
فى هذا المكان الطاهر ، من المجوهرات ، والشمعدانات الذهبية والقناديل ، المرصّعة ، ما لا عين رأت ، ولا خطر على عقل بشر ، ولا يعرف حصرها أو قيمتها سوى الله سبحانه وتعالى.
ويدخل المسئولون ، والخدم ، هكذا مرة واحدة كل عام ، ليزيلوا ما قد يكون قد علق بهذه التحف النادرة من غبار.
وسيدنا أبى بكر ، وعمر ، راقدان هنا تحت القبة أيضا. أما السيدة فاطمة ، فهى
__________________
(١) الپاشا : Pacha ـ Pasa لقب كان يمنح لكبار الموظفين فى الدولة العثمانية ؛ سواء من المدنيين أو العسكريين ، ويقول هامر ؛ إنها تدل على الشخص الذى ينيبه السلطان فى إدارة أمر ما ، أو القيام بمهمة محددة. على اعتبار أن السلطان يعتبر موظف فى الدولة بمثابة قدمه الراسخ فى انحاء البلاد. وكان السلطان يحب تشبيه موظفيه ببعض أعضاء جسده ؛ فالموظفون الكبار عينيه ، ورجال الشرطة اذنيه ، ورجال الماليه يديه ، والجنود قدميه .. وكان هذا اللقب يمنح لبعض العلماء والفنيين تعظيما لهم ، وتقديرا لدورهم. وفى بعض فترات التاريخ العثمانى تم وقف هذا اللقب على الوزراء ، والصدر الأعظم فقط. «المترجم»