القدمين ، ولا يمكن أن تكون الزيارة ظهرا ، حيث أن الأرض ، وما عليها ، من رمال ، وتراب تكون كالنيران الملتهبة. وإذا لبس الزائر فى قدميه خفا ، أو ما شابه ذلك ، أعتبر ذلك مخلا بحرمة المكان. فكل هذه الصحراء مرقد للشهداء. والجميع ؛ صغيرا كان ، أو كبيرا يتحرج من الزيارة بدون وضوء.
وخلال شهرى محرم وصفر من كل عام يقرأ المولد الشريف (١) هنا ، وعند مقبرة سيدنا حمزة. يكتظ المكان بالمؤمنين ، وتجيش نفوس الحاضرين فى كل عام ، تحت تأثير الإنشاد الدينى ، والدعاء ، والإبتهالات التى تتردد أصداءها فى المكان كله ، لدرجة أن البعض تخور قواه ، ويلقى ربه من أثر الوجد الذى تفعم به النفوس ، ويعم المكان ، فيدفن حيث يكون فى صحبة الشهداء. وهنا تختم زيارة أماكن الزيارة التى تقع خارج المدينة
__________________
(١) المولد عرف الأدب التركى نوعا من الشعر الدينى ، عرف «بالمولد» ، وهى مدائح نبوية. وأهم هذه الأعمال ؛ هو «وسيلة النجاة» ل «سليمان چليى» [٨٢٥ ه / ١٤٢٢ م] ، الذى نجح فى التعبير عن عواطفه الدينية ، بطريقة صادقة ، أقنع بها الطبقات المثقفة جنبا إلى جنب مع الطبقات الشعبية.
وقد استخدم المولد للدلالة على تلك القصائد التى تنشد بمناسبة المولد النبوى الشريف ، وما يصاحب الذكرى من إبتهالات دينية. وقد اختلفت الأراء الدينية حول الإحتفال بالمولد ، فمن يقول أنها بدعة ، ومن قائل أن الإنشاد وقراءة القصائد الدينية ليس بدعة ، وإنما البدعة هو ما يصاحب ذلك من طبل ، وطرق للدفوف وما شابه ذلك ، ومن قائل إنها بدعة حسنة ، وأن العرب هم أول من احتفلوا بمولد النبى صلىاللهعليهوسلم بزيارة المنزل الذى ولد فيه فى يوم ميلاده. وأقام الفاطميون الإحتفالات الباهرة فى مصر ، ثم انتشرت حتى شملت العالم الإسلامى.
وبدأ الإحتفال بالمولد النبوى ، فى الدولة العثمانية ، يأخذ شكلا رسميا ، منذ عهد مراد الثالث (٩٨٢ ـ ١٠٠٣ ه / ١٥٧٤ ـ ١٥٩٥ م). وأنه قد أخذ مكانا فى تشريفات السلطان منذ سنة ٩٩٦ ه ، وما زال ينشد إلى يومنا هذا ، فى تركيا فى مناسبات كثيرة خاصة مولد سليمان چلبى. انظر : [د. نجلاپك اولجاى ، إسلامى تورك آديبالتى ، استانبول سنة ١٩٦٦ س ١٤٠ ـ ١٥٣].
ومولد سليمان چلبى هذا ، كتبه مؤلفه وهو فى الستين من عمره ، حين كان يعمل إماما لمسجد بورصه ، فى عهد بايزيد الثانى (٨٥١ ـ ٩١٨ ه / ١٤٤٦ ـ ١٥١٣ م) رغبة منه فى إظهار فضائل الرسول محمد ، ومكانته بين الرسل.
وعدد النسخ الموجودة فى مكتبات إستانبول ، وحدها ، إحدى وخمسين نسخة ، لموالد مختلفة. وأرجح الأراء حول عدد أبيات هذه القصيدة هى أنها ٣١٧ بيتا.
وأهم المباحث التى تتناولها القصيدة ، توحيد البارى ، والتماس الدعاء ، وبيان خلق العالم ، بيان فطرة العالم ، وروح محمد ، وبيان ظهور النبى محمد ، وبيان معجزاته صلىاللهعليهوسلم ومعراج النبى ، وهجرة النبى من مكة إلى المدينة ، بيان ما يجب أن تكون عليه أمة محمد ، ثم بيان بالنصح والارشاد. انظر : [د. الصفصافى أحمد المرسى ود. ادريس نصر ، دراسات فى الشعر التركى ، القاهرة سنة ١٩٧٨ م مولد سليمان چلبى ص ٣٥ ـ ٥٣].