وبعد كل هؤلاء ، سار الباشا فى هيبة الغضنفر ، وقد تدثر بفراءه السمّورى الغامض اللون ، وفى خصره كنانته ، وعلى رأسه العمامة السليمية ومن خلفه آغواته تهتز الأرض والسماء من وطأة أقدام خيولهم الكحيلة. وفى الصفوف الخلفية سار وراء الباشا السلحدارية (١) ، والچوخدارية (٢) ؛ بملابسهم ، ومعداتهم ، التى تبعث فى
__________________
باب السلطان. وكان عدد المكلفين بالخدمة عليهما حوالى خمسمائة حارس فى آواخر القرن السادس عشر الميلادى. ولكن من كانوا على آعتاب الدركاه العالى وحدة سنة ١٠٧٧ ه قد بلغوا أربعين بلوكا.
لا يعرف بالضبط فى التاريخ العثمانى متى تم استحداث هذه القوات ، ولكن بما أن ذكرهم قد مر فى قوانين محمد الفاتح فمعنى ذلك أنهم منذ اوائل الدولة العثمانية.
وكان أحدهم هو الذى يحمل الرسائل السرية أو المهمة من العاصمة إلى والى أية ولاية. وهم الذين يستقبلون سفراء الدول الاجنبية الذين يقدون فى مهمات إلى الدولة العثمانية.
كانوا ينتقلون بين اربع درجات اعلاها هى القابوچى باشى «أى رئيس حرس البوابة» ولكنهم وصلوا إلى ست رتب فى عصر محمد الثالث. وكان من مهام رئيس الحرس هو إحضار الإبريق والطشت أمام الصدر الأعظم لغسل يديه بعد تناول الطعام فى ديوان الهمايون.
بلغ بعضهم رتبة الوزارة ، ثم أصبحوا قوة من قوات النظام الجديد بعد إلغاء الانكشارية ، ثم اصبحوا هم الذين يناط بهم عمل الركاب السلطانى ..
فى عهد السلطان محمود الثانى أى فى سنة ١٢٤٤ ه ـ ١٨٢٨ م حددت لهم مهامهم ، وملابسهم وساعات الخروج مع السلطان.
فى سنة ١٢٤٧ ـ ١٨٣١ م تقرر رفع راتب من يخرج منهم على المعاش إلي ثلاثمائة قرش شهريا.
كانوا يكلفون بالخدمة فى الضواحى وكثير من الولايات الأخرى وخاصة الحرمين الشريفين.
تكونت منهم بلوكات ، وكان لهم كتخداهم أى معتمدهم. ووكيلهم ، وكانت لهم عنابرهم الخاصة بهم. «المترجم»
(١) السلحدارية ؛ سلاحدار"Silahdar " : لقب يطلق على واحد من كبار رجال السراى. وكان يوازى له من كبار رجال السراى. وكان يوازى له لقب «سلحدارى شهربارى». ويوازى أيضاا «سلحدار آغا» أى آغا السلحدار أى الآغا حامل السلاح. وفى بداية الأمر كان من الأركان الخواص ، وثانيهما ، أما الأول فهو «رئيس القاعة الخاصة». وكان السلحدار من المقربين للسلطان ولهذا السبب كانت من الوظائف المهمة.
وخلال المواكب الإحتفالية والمراسم كان يسير خلف السلطان مباشرة على الجانب الأيمن وقد امتطى صهوة جواده المطهم ، وهو فى كامل ملابسه المرصعة.
قد استحدث هذا اللقب فى عصر يلدبرم بايزيد ـ بايزيد الصاعقة ، ويبين قانون محمد الفاتح أن هذا المنصب كان مهما منذ ذلك التاريخ .. وكان صاحب هذا المنصب يتلقى تعليما ، وتنشئة جيدة مسبقة فى السراى الهمايونى.
كان صاحبه يتدرج فى مناصب سابقة حتى يصل إلى هذا المنصب. وكان منذ عهد السلطان مصطفى الثانى أى ١١١٠ ه ـ ٩٩ / ١٦٩٨ م يصدر بشأنه فرمان خاص بمن يتولى هذا المنصب مما زاد من قيمته.
وكان من حقه أن يشرف ، ويفتش على كل الوظائف والمهام داخل السراى.
وكانت تمنح لهم رتبة الوالى على بعض الولايات المهمة مثل مصر وغيرها كنوع من الإحسان السلطانى ؛ كترضية أو كمكافئة ، أو أن يعيّن أحدهما قبطانا بحريا أو قائدا للإسطول ، بل وصل بعضهم إلى الصدارة ، ومن لم ينل رتبة الوزارة فقد كان ينال الاقطاعات ، والزعامات والتيمارات الشاسعة. ومن كان منهم ينال هذه العطايا فقد كان يعيش طوال حياته مرفها.