وصل موكب حسين باشا إلي وادى «أبطح» ومر بالمكان المسمى «المعلا» ، وعلى جانبى الطريق إصطف مئات الآلاف من الحجاج الذين وفدوا من شتى بقاع العالم الإسلامى ، وكانوا يرددون «حفظك الله يا وزير السلطان» أما النساء فقد كن يطلقن زغاريدهن المدوية من مقام الحجاز. وما أن مر الموكب من منطقة المعلا هذه حتى بدت للجميع مدينة مكة المكرمة. وعلى كل حاج ، أو عابر لمنطقة المعلا هذه أن يقرأ سورة (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) ....)(١) لإن آلاف من الصحابة الكرام مدفونين بها. ولما بدت مآذن ، ومنارات مكة المكرمة ، للعيان ، علت أصوات جند الإسلام جميعا بالتلبية مرددين «لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ...» فالإكثار من التلبية مستحب.
وفى اليوم التاسع من ذى الحجة لسنة ١٠٨٢ ه ـ ١٦٧١ م ، هذه أقام معالى الوزير حسين باشا معسكره فى منطقة المعلّا هذه.
وادى المعلا :
هنا أخذ الجند يطلقون البنادق ، والمدافع ثلاث نوبات متتالية ، حتى دوت الوديان ، والسماء مرددة أصوات تلك الطلقات. ثم إنعقد الديوان (٢) بعد ذلك. ثم أصدر الباشا أوامره وتنبيهاته التى بلغت إلى الجنود الشاميين ، وإلى جنده عن طريق الجاوشية ، بأن يكون الجميع فى وضع الإستعداد وأفتى أرباب المذاهب الأربعة ؛
__________________
(١) سورة التكاثر الآيتان ١ ، ٢.
(٢) الديوان ـ Divan : أصلا فارسيه ، أنتقلت إلي اللغة العربية مع بدايات الفتح الإسلامى ، ويستخدم فى معانى مختلفة ؛ فيجتمع فيه أهل الحل والعقد لتسيير أمور الأمة سواء من النواحى السياسية ، أو العسكرية ، أو المالية ، أو الإدارية ، أو العدلية ، أو المالية.
فى النواحى المالية ؛ يعنى دفتر قيد الدخل والمنصرف فى كل المصالح الإدارية ، أما اداريا فيطلق على الهيئة أو الجماعة التى تدير الأمور بالدولة ؛ فهناك ديوان الرئاسة ، وديوان الوزارة ، وديوان الولاية ، وديوان الإمارة ، وديوان الحرب ... وقد عرفته كل الدول الإسلامية.
أما الديوان فى الأدب فله مجال آخر.
وكان لكل ولاية ديوان خاص بها ، يرأسه الوالى ، ويتكون من أركان الولاية للبت والنظر فى شتى أمورها. وحتى كان للديوان ترجمانه للقيام بمهام الترجمة فى الولايات التى يتطلب فيها الأمر ذلك. وكان ديوان الحرب ينعقد تحت رئاسة السلطان ، كما أن ديوان قافلة الحج كان يضم كل الشخصيات المعنية ، ويرأسه أمير قافلة الحج. «المترجم»