الثقافة العربية الاسلامية أول ما نشأت ، ثم ما زالت تنمو حتى تكاملت فروعها ، ورسخت أصولها. وبلاد المغرب ـ بمختلف أقطاره ومنه الأندلس ـ.
وإن كان في عصوره الزاهرة يمد تلك الثقافة بروافد قوية إلا أن علماءه كانوا ـ وما يزالون ـ يرون في تلك الحواضر. وخاصة مكة والمدينة ، مهوى لأفئدتهم ومطمحا لرغباتهم ، وملتقى روحيا تتطلع نفوسهم لبلوغه لا لأداء فريضة أوجبها الدين الحنيف فحسب ، ولكن للتزود من العلم ، وللالتقاء والاجتماع بالعلماء فى أحفل مجمع ، وأشمل ملتقى.
وللحديث عن عناية علماء المغرب بتدوين رحلاتهم إلى الحج مجال أوسع من هذا ، وحسبى أن أعرض الان إحدى الرحلات ، عرضا دعت المناسبة إليه.
ويلاحظ الباحث فى تاريخ الثقافة أن أدب الرحلات ازدهر فى العصور المتأخرة التي اعترى الجمود مختلف الجوانب الثقافية ، منذ القرن الحادي عشر الهجري حتى نهاية القرن الثالث عشر.
وما اخالني جانفت الحقيقة حين قلت فى حديثي في (ملتقى مؤرخ الأندلس ابن حيان) الذي أقيم فى الرباط في آخر شهر المحرم من هذا العام (١٤٠٣ ه ـ ١٩٨١ م) ليست رحلتا ابن بطوطة وابن جبير ـ على جلالة قدرهما ـ يمدّان الباحث بفكرة كاملة عما تحويه غيرهما من رحلات علماء المغرب ، مما يتطلع إليه الدارسون لمختلف أحوال غرب الجزيرة ، من معلومات وافية.
وليس من المبالغة القول بأن في رحلات ابن رشيد الفهري والتجيبى والعبدرى والعياشي والدّرعيّين أحمد بن ناصر ، ومحمّد بن عبد السلام ، ومن بعدهم إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى ـ في تلك الرحلات ما يعتبر من أوفى المصادر وأشملها وأوثقها في دراسة كثير من أحوال المدينتين الكريمتين مكة والمدينة ، من ثقافية واجتماعية واقتصادية. وهذا ما لم أر أحدا من الباحثين إتجه له باعتبار تلك الرحلات تكوّن وحدة متكاملة في موضوعها.
أشهر رحلات الحج :
ولا يتسع المجال لأكثر من ذكر أهم رحلات الحج ، التي في ميسور كل باحث