الأوصاف البهيجة لمدينة مكة المكرمة
عند ما أصبح الشريف بركات شريفا ، دخل إلى المدينة المكرمة وسط إحتفال عظيم. وجاء إلى الحرم الشريف ، وجلس عند الدرجة الثالثة ، أسفل منبر رسول الله «صلىاللهعليهوسلم». وجاء جميع الأشراف ، والشرفاء ، والمشايخ ، وأهل الوفاء من الأئمة ، والخطباء ، والعلماء ، وجميع الآعيان الكبار ، وعلى العموم ؛ حضر الجميع ، الكبير والصغير ، إلى الحرم الشريف ، وبايعوا الشريف بركات. ونادى المنادون فى كل مدينة مكة باعطاء الأمان لخلق الله ، ومنح آمان آل عثمان لجميع خلق الله ؛ وبشروا الناس بأنهم سيكونون فى أسعد حال. واستمر الإحتفال ، والإبتهاج ثلاثة أيام ، وثلاث ليالي ، وزيّن كل الناس مساكنهم ، ومتاجرهم ، ومحلاتهم ، وطالب المنادون الآهالي بأن يزينوا دكاكينهم .. وما أن سمع الآهالي ذلك ، حتى ردّدوا العظمة لله وما هي إلا ساعات حتى تحولت المدينة ، بداية من الجامع الشريف والطرقات العامة إلى محفل يمج بالنشاط ، وتم تنظيف وتطهير الشوارع والطرقات ، وكل شخص من الاهالى حسب مقدرته ، قام بتزيين منزله.
وفتحوا أبوابهم ، وشرعوا فى زيارة بعضهم البعض ، وزيارة حجاج المسلمين وزيّن كل واحد من الآهالى باب بيته أو دكانه بآحلى أنواع الزينة ، وعلقوا القناديل والثريات حتى تشعشعت المدينة بالأضواء المتلئلئة. وأشعلت آلاف القناديل والشموع ، والمصابيح ، والفوانيس فى جميع الأسواق السلطانية ـ الرئيسية. وعلقت آلاف ، بل مئات الآلاف من المشاعل ، والشمع الكافوري حتى تبددت ظلمة الليال ؛ وأصبح الليل مضيئا كالنهار تماما ... واستمرت الصحبة. كما يكون الحال فى ليلة القدر ـ حتى الصباح .. ولما كانت مدينة مكة مدينة منورة ، فأضحى نور على نور .. وقام كل آصحاب الحرف بتنظيف دكاكينهم .. وجمّلوها بالمفارش والطنامس ، وأخذوا فى السمر والتسامر مع بعضهم البعض ، ومع أحباءهم .. وتبادلوا شتى أنواع المشروبات كالشربات ، والشاي ، والقشير ، والسحلب ، وقدموا المهلبية ، والقهوة. واللبن الخالص والعيران. (١) .. وكانت هناك أمام بعض الدكاكين ، أو أمام بعض الخانات مطربون ، ومقرؤون ومضحكون .. وغوازى ،
__________________
(١) العيران : لبن خض يضرب بالملح ، ويشرب ، ويقدم مع الطعام ويستحب فى فصل الصيف واشتداد الحرارة. لبن منزوع الدسم يضاف إليه الملح ويشرب بادرا. «المترجم»