أشكال ، وأوصاف وإحرام الحرم الشريف بيت الله الحرام :
ليكن معلوما للإخوان ذوى العقول ، أن مكة المكرمة ، وبيت الله الحرام تقع داخل واد ضيق ومحدود يسمى «بكه» ، ودائما إذا ما سالت الأمطار من الوديان السبعة المحيطة بها ، فإنها تتجه نحو هذا الوادى ، وتغرق الحرم .. وكان الملوك السابقون لا يجدون لذلك حلا. وفى كثير من السنين كان الحرم من كثرة الأمطار يتحول كالبحر ، وكان حجاج المسلمين يخوضون وسط آمطار الرحمة للطواف من أجل أداء الفرض ، لإن الإنس ، والجن لا يمكن أن يتخلوا عن الطواف. ولقد كلف السلطان سليمان القانوني المعمار سنان محمود باشا (١) بأن يجد وسيلة تحول دون إغراق الحرم الشريف ، والكعبة المشرفة بمياه أمطار الرحمة. وعيّنه معتمدا لذلك ، فظل سنان باشا يجدد ، ويوسع فى الحرم مدة سبع سنوات ، وعلى جوانبه الأربعة جعل تسعة وثلاثين بابا كبيرا .. وجعل العتبات السفلى لهذه الأبواب عالية ، يصعد لها بخمس أو ست درجات من الحجارة الصلدة ، وينزل منها بعشرة أو إثنتي عشرة درجة. وكانت الآبواب عالية فوق هذه السلالم ، وحمدا لله ، فمنذ ذلك التاريخ ، وقد تخلص الحرم الشريف ، والكعبة المشرفة من هذا الخطر الذى كان يتهدده. ولكن باب السلام هو الباب الوحيد الذى يخلو من السلالم فى الطابق الداخلي ، ولكن عند الطابق الخارجى فإن باب السلام يعلو عن سطح الأرض بسلّم مكوّن من ست درجات. وجميع الأبواب هكذا دائرا ما دارا ذات سلالم. أما البيت الشريف فإنه يقع داخل منطقة صخرية منخفضة ، وجوانبه الأربعة وكأنها قلعة ، ومن الثابت أن السبل قد ضرب الحرم حتى فى أيام الرسول «صلىاللهعليهوسلم» وكان الصحابة الكرام يخرجون المياه بآياديهم الشريفة خارج الحرم.
وخلال خلافة الزبير بن العوام ، أقيمت للبيت الحرام عتبات طويلة ، وبالرغم من ذلك فقد دخلت مياه أمطار الرحمة عدة مرات آخرى إلى داخل البيت الشريف .. ولو لم يقم سليمان العظيم بما قام على الوجه السابق شرحه ، لما تخلص البيت العتيق
__________________
(١) المعمار محمود سنان باشا : من كبار المعماريين الذين تتلمذوا على يدى قوجه سنان باشا. وقام بتنفيذ أعمال معمارية كثيرة على مستوى الإمبراطورية العثمانية.