الطريق آمنا .. فلا يكون الحج فرضا. وإنى لمكلف بإحضار المحمل ، ولست مكلفا بإحضار الحجيج ؛ هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية ، فهناك مسألة نقود الخزانة المصرية ، فإذا وصل المحمل المصرى قبل المحمل الشامى أو تأخر وصوله فإن ذلك يعد لطمة لسمعة آل عثمان ، ولذلك يجب أن تتكاتف الجهود ، ونلتف حول المحمل ، حتى نختصر المراحل الثلاث فى مرحلة واحدة حتى نصل إلى الكعبة المشرفة فى الوقت المناسب ، ولذلك فعلى القادر أن يتحرك أما غير القادر فلا تكليف ولا جناح عليه ...».
صادق الجميع على ما قاله الباشا. قرأت الفاتحة. وعاد قسم من الحجاج ، وشاء القدير العليم أن يستمر سقوط المطر ، والثلج طوال هذا اليوم ، وهذه الليلة أيضا ؛ فلجأت معظم الحيوانات إلى القرى المجاورة للإحتماء فيها. وآعادها القرويون إلى آصحابها. وقد أمر الباشا بالإبتهال إلى الله لدفع ذلك البلاء ، بقراءة سورة الإخلاص مائة ألف مرة والصلوات على النبى المصطفى مائتى آلف مرة ، والأنعام الشريفة ألف مرة. وشاء الله أن هدأت السماء ، أطلت الشمس بنورها .. وإن كانت جميع الحيوانات والأمتعة قد غرقت فى بحار الماء ولجج الوحل. وبزغت تباشير شهر ذى القعدة مع إطلالة دفئ الشمس المشرقة.
قيام العبد الحقير بزيارة قبر حضرة سيدنا أيوب فى صحبة بعض الأصدقاء :
قرية نوا :
أتجهنا نحو القبلة بعد الخروج من مزيرب ، وتابعنا المسير لمدة ثلاث ساعات ، فوصلنا إلى قرية «نوا» وهى قرية بها ثلاثمائة منزلا ، وجامعا واحدا ، وحوضا للمياه. ومدفون بها الشيخ سعد الذى كان من أتباع سيدنا أيوب وخدّامه. ويتردد بين أهلها أن الملك طاهر عندما حاصر عكة ، واستعصى عليه فتحها ، قام الشيخ سعد هذا بتوجيه مزراق حولها ، بادئا بإسم الله وأخذ فى إلقاء مزارقه ورماحه نحو قلعتها ، فكان الجند جميعا يشاهدون تراشق الرماح ، والمزارق فى جدران القلعة حتى هدّمتها ، فشد ذلك من إذرهم ، وألهب حماسهم ، وتم فتح القلعة. ومكانه معروف حتى الأن. وهكذا يكون سلطان أولياء الله الصالحين ، ومن هنا قطعنا مسيرة ساعتين نحو القبلة حتى وصلنا إلى :