المعهودة ؛ فأمر الباشا خمسة من حاملي الأعلام الأشداء بتعقبهم بخيولهم ، فلحقوا بهم وتم القبض على ستة منهم .. وقال قائل منهم .. «أيها الباشا .. لا تغفل عيناك وخذ حذرك حتى الصباح ، فإن الأعراب سيهاجمونكم». فأمر الباشا أن يستعد الركب للتحرك. وبدأ الموكب فى الحركة فى منتصف الليل ، وتم تسليح كل الجنود ، واصطفوا على اليمين وعلى الشمال ، وعزفت الموسيقى الهمايونية ثمان دفعات متتاليات حتى اهتزت الجبال ، وصدحت الوديان ، وكان الأعراب فعلا قد اتخذوا من الجبال والصخور المتوفرة فى منطقة عنزة مكمنا لهم ، وبدوا وكأنهم كالغابة المتناثرة الأشجار ، ثاروا ، وهاجوا ؛ وماجوا ؛ وأذ بدوا ولكنهم لم يجرؤوا على الهجوم ؛ ففروا وتابعت القافلة سيرها فى هذه المنطقة مدة تسع عشرة ساعة.
منزل عنزه :
عبارة عن منطقة صحراوية واسعة ، ليس بها قرى أو ما يشابهها ، وهنا وفد بعض المشايخ من أعراب عنزه (١) وزهد والوحيدات طالبين الصرة. فقال لهم الباشا : «إن الصرة تقدم لكم مقابل الخدمات التى تقدمونها إلى الحجاج حسب قانون السلطان سليمان خان القانونى ، ولن أقدم هللة واحدة إلى هؤلاء الأعراب الذين اصطفوا على قمم الجبال ، واستعراضا للقوة ، وعددهم عشرة ، أو خمس عشرة ألفا ..
قال الشيوخ : «إننا سنرسل هدية الباشا ، حتى وإن لم نحضر بأنفسنا ..». وأرسلوا بالفعل ثلاثة خيول كهيلانية إلى الباشا الذى تقبلها ولكنه أعلن مصمما : «إن شاء الله .. عند عودتنا بسلامة الله ورعايته سأجد رؤوس العصاة وحتى ولو كانوا فى أعماق البحر ، المهم هو أن تسيطروا على المنطقة وتقبضوا على كل من وقف ضدنا أو خرج علينا ..».
__________________
(١) عنزه : من أشهر القبائل العربية ، وأقواها. كانت تعيش فى جزيرة العرب ، وبادية الشام. وكانوا يتجولون ما بين الجزيرة والموصل والزور وشمال بادية الشام هذه. كانوا فى صراع دائم مع قبائل شمر : موطنهم الأصلى ديار نجد ، كما كانوا يتواجدون فى منطقة الحجاز ، ناحية خيبر. سكنوا اليمامة قبل الإسلام. كانوا يقضون الصيف ناحية الشام وحلب ، أما فى الشتاء فكانوا يعودون إلى جوف الصحراء ؛ وكثيرا ما كانوا يصلون إلى العراق. ويعيشون ـ فى ذلك الوقت ـ على الرعي ، وتجارة القطعان .. كانوا يتلقون العطايا من الصرة السلطانية ؛ سواء فى العصر المملوكى ، أو العثمانى (أنظر : قاموس الأعلام ، شمس الدين سامى ج ٥) «المترجم».