ثم صدحت الأبواق عاليا وتابعت القافلة سيرها إحدى عشرة ساعة بين الرمال ، والصخور حتى وصلنا إلى :
قلعة معان ـ معن
قلعة صغيرة على شكل مربع ، بدون خندق ، محيطها ثلاثمائة خطوة. كانت فى الماضى تحت سيطرة انكشارية الشام (١) ، ثم تمكن الأعراب من قتل محافظها ، والإستيلاء عليها ..
__________________
(١) إنكشارية الشام : الإنكشارية ؛ لغويا ينى چرى ، ويطلق عليهم الأوروبيون Janiser. أما عسكريا ؛ فهو اسم يطلق على فرق المشاه النظاميين التى كونها الترك العثمانيون فى القرن الرابع عشر الميلادى ـ الثامن الهجرى ، وأصبحت اكبر قوة عسكرية عندهم ، وقد مكنتهم من الفتوح الواسعة التى قاموا بها.
ويطلق عليهم أحيانا اسم ال «قاپى قولى» أى عبيد الباب السلطاني ، أو الرقيق السلطانى نظرا لإرتباطهم بالسلطان شخصيا. وكانت هذه التشكيلات العسكرية موجودة عند السلاجفة ، والمماليك .. ولكن العثمانيون أدخلوا عليها الكثير من التنظيم والانضباط ، خاصة فى عهد السلطان مراد الأول [سنة ١٣٦٠ ـ ١٣٨٩ م ـ ٧٦٢ ـ ٧٩٢ ه] وكان تدريبهم ، وتعليمهم العسكرى مركزا على الطاعة وتحمل الجوع والعطش وكافة الصعاب. وترقيتهم مبنية على الشجاعة والطاعة ، ولذلك أثبتت الإنكشارية وجودها فى كل فتوحات الدولة العثمانية سواء فى آسيا أو فى آوروبا. أو فى شمال أفريقيا.
أما لباس الرأس عندهم فهو قلنسوة من الصوف الأبيض ، وتتدلى من خلفها قطعة من القماش رمزا للبركة التى منحها إياهم مرشدهم الشيخ حاجى بكداش كما يعتقدون. وعلى لباس الرأس شارة عبارة عن ملعقة من الخشب. وكانت ألقاب الضباط مرتبطة بمختلف مرافق المطبخ كالجورباجى باشى [رئيس طهاة الحساء] وآشجى باش ـ [رئيس الطباخين]. وأهم الأشياء فى الكتيبة هو القدر الكبير [القازان]. وكانوا يجتمعون حوله لا لتناول الطعام فقط ، بل للتشاور ، وكان قلب القدر دلالة على العصيان والثورة.
وكانت الفرقة منهم تسمى أوجاف» أى المعسكر أو الموقد .. وتنقسم إلى وحدات حربية تسمى كل منها «اورطه» أى فرقة وهى ثابتة العدد ، مختلفة القوة ، تتراوح وفقا للظروف من ١٠٠ ـ ٥٠٠ ـ ٣٠٠٠ جندى. وهذه الفرقة تقيم فى ثكنات تمسى (اوضه) ـ غرفه ـ عنبر. أما فى ميدان الحرب فكانت الفرق تقيم فى سكنات عبارة عن خيام واسعة مستديرة ، وقد نقشت عليها شاراتهم المميزة لكل منهم.
كان يرأس الفرقة قائد رتبته [يكچرى آغاسى] أى آغا الإنكشارية. وهو يتولي فوق عمله الخاص ، أمر الشرطة وحفظ النظام فى المدينة.
لقد تنوعت أسلحتهم الحربية فى الدفاع والهجوم تبعا للزمن الذى يعيشون. ولكن كثرة مشاكلهم ، وعصيانهم ، فى فترات ضعف السلاطين ، السلطة المركزية ، ومعارضتهم لكل ما هو جديد لكل ما هو جديد أؤ أى تطوير فى الجيش بحجة أن هذا بدعة وكل بدعة ضلالة ـ عند ما أرادت الدولة أن تأخذ بالنظام الجديد ، مما دفع السلطان محمود الثانى بالقضاء عليهم فى ٩ من ذى الحجة ١٢٤١ ه ـ ١٠ يونية سنة ١٨٢٦ م فى آت ميدانى ، وفى مذبحة شبيهة بتلك التى نفذها محمد علي الكبير ضد المماليك فى القلعة.
وكانت معسكراتهم تنتشر فى كل الولايات العثمانية ، وتسمى باسم الولاية الموجودة فيها فهناك انكشارية الشام ، وانكشارية مصر وانكشارية اليمن .. الخ .. [المترجم]