المقدّمة
إن تاريخ البشرية ؛ إنما هو تاريخ لمحاولة الإنسان التعرف على العالم المحيط به ..
والغريب عنه .. لقد ناضل أولا ضد القوى الحيوانية التى تحول بينه وبين ذلك ، ثم أخذ يناضل القوى المماثلة له .. فتكونت القبيلة ، ثم الأمة ، واندفعت الأمم من آقاليمها إلى الآقاليم المجاورة تكتشفها آفاقا جديدة .. ثم بدأ ينطلق نحو الفضاء الخارجى عبر الكواكب ، ويغوص في آعماق البحار ، والمحيطات بحثا عن المعرفة .. ورغبة فى الإمتلاك ..
بدأت كل هذه الرحلات ضيقة ، ثم اتسعت آفاقها مع مرور الزمن ، فالإنسان ولد راحلا ، وإن أعجزته الرحلة .. تخيل رحلات غير محسوسة ؛ تخطى الجبال ، وعبر البحار .. وركب بساط الريح .. سجل لنا التاريخ رحلات ألف ليلة وليلة ، وحي بن يقظان ، والتوابع والزوابع ، ورحلة دانتي في الكوميديا الإلهية .. ورحلة الشاعر التركي العبقري الشيخ غالب إلي مدنية القلوب «حسن وعشق». كما نجد ذلك بين ثنايا الآساطير ، ودوافع الحروب ..
سجل المصريون رحلاتهم على جدران المعابد ، وخاض الفينيقيون عباب المحيط الآطلسي ، وخلّف الإغريق مستعمراتهم فى البحرين ؛ الأبيض والأسود ، وعنوا جميعا عناية واسعة بوصف البلدان ، والأقاليم التى رأووها ، وقدموا الكثير من المعارف الجغرافية.
زار هيرودوت مصر ، وقبرص ، وفنيقيا ، وآشور ، وإيران وتوغل فى الشمال ، وتخطى البوسفور ، وأودع مشاهداته فى هذه الزيارات أو الرحلات تاريخه الكبير .. ثم أعقبه «بلوتارك» الذى عنى بتاريخ اليونان ، والرومان .. ومنه استمد شكسبير الكثير من روائع مسرحياته ..
تصبح روما عاصمة العالم ، ويتوغل بحارتها ، وفرسانها فى ربوع إمبراطوريتها الشاسعة .. وتصل سفنهم إلي جزر الكاناريا في المحيط الأطلسي ..
ثم كان الفتح العربي للهند ، والصين ، وجبال البرانس .. ومن التركستان وجبال القوقاز إلى السودان ... وبلاد الحبش .... أصبح كل ذلك عالما موحدا مشتركا فى