قال أبو سالم وقد شاهدت هذا البناء يوم طلوعنا إلى الجبل في الرجبية وهو صورة مسجد قريب منه موضع معد لماء المطر وهو في قبة (١) الجبل في مكان عال مشرف على المدينة وما حولها من البقاع فيه نزهة للناظرين خصوصا وقت طلوعنا إليه في فصل الربيع وبعض الناس يسمون تلك القبة قبة هارون قال وقد أخبرني بعض الناس أن بانيها رجل كان يتعبد هنالك واسمه هارون فسميت به ولم تزل إلى الآن يتعاهدها الناس للعبادة والخلوة وما أولاها بذلك فقد وجدت بقلبي عند الوقوف بها والصلاة هنالك ما لا مزيد عليه من الحلاوة والتلذذ بالعبادة وكيف لا ومستقبل القبلة فيها يكون الحرم النبوي بين يديه والقبة الشريفة بين يديه وبقاع المدينة المشرفة كلها تلقاءه ومكة تجاهه حتى أنه ليخيل عليه انه مشرف على الحرمين الشريفين وما بينهما وما فيهما من الأماكن المشرفة وعلى كل حال لم أر مكانا ينشرح فيه الصدر ويصفو القلب من الأكدار وتتجلى فيه عظمة الربوبية وجلالة النبوءة كهذا المكان ويقرب منه في ذلك جبل حراء وجبل ثور بمكة.
وفي أصل الجبل غار يزعمون ان النبي صلى الله عليه وسلم اختفى فيه ولا يصح ذلك ففي مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما وجال الناس جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار إنما كان تحت المهراس انتهى.
وفي أعلى الشعب عند مضيقه من حيث يشرع في الصعود للجبل الموضع المسمى بالمهراس وهو مواضع منقورة في الجبل بين صخور عظيمة يجتمع فيه المطر فلما تخلو منه. ومنه غسل جرحه صلى الله عليه وسلم يوم أحد كما في الصحيح وتحت المهراس بقليل موضع يقال انه موضع الصخرة التي نهض صلى الله عليه وسلم ليعلوها وجلس طلحة تحته رضي الله عنه وقال ابن هشام في السيرة بلغني عن ابن عباس رضي
__________________
(١) كذا في الرحلتين العياشية والناصرية وفي جميع النسخ قنة.