تعلل له بان ذلك لا يمكن في هذا الوقت لغلاء الأسعار واعتذر له بأعذار ضعيفة ففطن سليم لما قصد وعلم انه إنما أراد تعويقه عن المسير إلى العراق فحدثته نفسه بالركوب إليه وصرف العنان عن غزو العراق إلى غزو مصر فاستشار في ذلك من كان بحضرته من العلماء وذكر لهم عذره وأن الغوري منعه من التزود من بلده وهو محتاج إلى الزاد فكلهم قال إن ذلك لا يبيح لك قتاله لأنه ملك بلاده ولم يخلع لك يدا من طاعة ولا بادأك بحرب فكيف يحل لك الهجوم عليه في بلاده ومحاربته بلا سبب وكان من جملة العلماء الحاضرين المحقق ابن الكمال باشا وأصغرهم فقال له أيها الأمير أنه يباح لك غزوه في كتاب الله أنك تدخل مصر في هذه السنة فقال له وكيف ذلك فقال له لا أفتي بين يدي هؤلاء الأئمة وهم مشائخ الإسلام حتى تؤجلهم سبعا لينظروا ويتدبروا فإن الله تعالى يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فكيف لا تكون هذه النازلة في كتاب الله تعالى الذي فيه تبيان كل شيء فقال لهم سليم أني أجلتكم سبعا عسى أن تجدوا أو يتبين لكم ما قال. فقالوا كلهم أيها الأمير ما كان جوابنا الآن هو جوابنا بعد سبعة فقال ابن الكمال لا بد من التأجيل وقصده والله اعلم إظهار مزيته عند الملك وأنه اهتدى لما عجزوا عنه بعد التدبر والتلوم إذ لو أبدى ما عنده في المجلس لربما أدعى أن ذلك يمكن الاهتداء إليه بالتأمل والتدبر فأجلهم الأمير سبعا فلما انقضت جمعهم فسألهم فقالوا له جوابنا فيما مضى جوابنا الآن فقال له ابن الكمال أيها الأمير أنهم ليقرءون في كتاب الله العظيم إنك لتدخل أنت وجنودك هؤلاء مصر في هذه السنة إلا أنهم لا يهتدون لفهمه فقالوا أين هو فقال قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) فضحكوا وقالوا أين هذا مما نحن فيه فقال لهم أن قوله تعالى ولقد في قوة لفظ سليم بحساب الجمل فإن كل واحد من اللفظين مائة وأربعون عدده فتكون إشارة الكلام سليم كتبنا في الزبور من بعد عشرين وتسعمائة أن الأرض يرثها لأن الذكر عدده بدون أداة التعريف ما تقدم