قال والأرض في الآية الكريمة على قول كثير من المفسرين هي أرض مصر والعباد الصالحون في هذا الوقت هم جنودك إذ لا أصلح منهم في عساكر المسلمين بأقطار الأرض لإقامتهم سنة الجهاد وفتحهم أكثر البلاد النصرانية وهم على مذهب أهل السنة والجماعة وغيرهم من عساكر البلاد أما ممن فسدت عقائدهم كأهل العراق وأكثر اليمن والهند وأما ممن ضعفت عزائمهم عن إقامة شعائر الإسلام كالمغرب وأما ممن استولت عليهم الدنيا كمصر وبالغ في تقرير هذا المعنى وسر السلطان سليم بقوله وسلم له الفقهاء حسن الاستنباط ولطف الإشارة إلا أنهم قالوا له إن هذا لا يكفي في إباحة قتال من لم يخلع يدا من طاعة ولا حارب أحدا من المسلمين وإن كانت الإشارة القرآنية تدل على أن هذا سيكون فلا بد من إظهار وجه تعتمده الفتوى الفقهية فقال ابن الكمال أيها الأمير أما هذا فهو أيضا متيسر وذلك بأن تبعث إلى السلطان الغوري وتقول له أني لما قدمت إلى هذه الأوطان ولم يتيسر الغرض الذي قدمنا لأجله عزمنا على التوجه للحجاز لأداء فريضة الحج وليس لنا طريق ولا تزود إلا من بلادكم فأردنا أن تأذن لنا في المرور ببلادكم والتزود منها فانه لا محالة مانعك وصادّك عن المرور ببلده فإذا صدك عن حج البيت جاز لك قتاله وصار محاربا فاستحسن الفقهاء رأيه في ذلك لأن الحيل في مذهبهم سائغة ، وانتهاج طريقها عندهم شريعة شائعة ، فكتب السلطان سليم إلى الغوري في ذلك فراجعه الغوري بجواب سيء وصرح بمنعه وصده وانه لا يشرب من نيل مصر جرعة ماء إلا أن مشى على ظهور الموتى إلى غير ذلك من التهديد فتقوى حينئذ عزم السلطان سليم على غزو مصر وتهيأ لذلك فكان ما كان من استيلائه عليها ومحو الدعوة الغورية من مصر وإنحائه وقتله أكثر العلماء والصلحاء والخليفة العباسي وكثير من أرباب المناصب وكان أمر الله قدرا مقدرا فعظمت بذلك مكانة ابن الكمال عنده وخيره فيما شاء من الولايات فاختار الفتوى فتولاها وحسنت سيرته فيها وتصدى لنشر العلم وتعظيم أهله والله يتقبل منه