ويروى عن عثمان بن طلحة قال : فتحنا البيت يوما فى الجاهلية فجاء رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ليدخل مع الناس فتكلمت بشىء فحلم عنى. ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت ، فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال بل عزت ، ودخل الكعبة. ووقعت كلمته منى موقعا ظننت أن الأمر سيصير إلى ما قال فأردت السلام فخشيت من قومى فقدمت المدينة فبايعته وأقمت معه حتى خرج فى غزوة الفتح فلما دخل مكة قال يا عثمان : ائت بالمفتاح فأتيت به فأخذه منى ثم دفعه إلى وقال : خذوها يا بنى أبى طلحة خالدة تالدة إلى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، وفى ذلك (١) نزل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (سورة النساء : ٥٨).
وفى «سنن سعيد بن منصور» أنه صلىاللهعليهوسلم لما أخذ المفتاح من بنى شيبة أشفقوا أن ينزعه منهم ، ثم قال : يا بنى شيبة ، هاكم المفتاح وكلوا بالمعروف. قال العلماء : إن هذه ولاية من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يجوز لأحد أن ينزعها منهم ، وأعظم من ذلك أن يشرك معهم غيرهم.
قال الشيخ محب الدين الطبرى فى «القرى» : لا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ولازموا الأدب فى خدمته ، أما إذا لم يحفظوا حرمته ، فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته. ثم قال أيضا : وربما تعلق الجاهل المعكوس الفهم بقولهصلىاللهعليهوسلم : وكلوا بالمعروف. فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت ، ولا خلاف بين الأمة فى تحريم ذلك وأنه فى أشنع البدع وأقبح الفواحش ، وهذه اللفظة إن صحت فيستدل بها على إقامة الحرمة ، لأن أخذ الأجرة ليس من المعروف ، وإنما الإشارة والله أعلم إلى ما يتصدق به من البر والصلة على وجه التبرّر ، فلهم أخذه وذلك أكل بالمعروف لا محالة ، أو إلى ما يأخذونه من بيت المال على ما يتولونه من خدمته ، والقيام بمصالحه ، فلا يحل لهم الا قدر ما يستحقونه والله تعالى أعلم. انتهى كلام المحب (٢).
(وأما الرفادة) فأصلها خرج من قريش كانت تخرجه من أموالها إلى قصىّ يصنع به
__________________
(١) أخبار مكة للأزرقى ج ١ ص ٢٦٥ ، شفاء الغرام ج ٢ ص ١٣٩ ، ١٤٠.
(٢) القرى ص ٥٠٦.